المجامع والهرطفات من القرن الرابع الى الآن 1
صفحة 1 من اصل 1
المجامع والهرطفات من القرن الرابع الى الآن 1
مقاومة البابا كيرلس لكتب الإمبراطور يوليانوس
الجاحد
قد وصل للبابا معلومات تفيد أن الشباب فى الإسكندرية يتسلى بقراءة مقالات عشرة كتبها الإمبراطور يوليانوس بعد جحودة وإنكاره لإله المسيحيين ، وكان الوثنيين يتباهون بأن هذه المقالات ستقوض أركان المسيحية ، فقرأ البابا كيرلس هذه المقالات ونقضها حجة بحجة وبرهاناً ببرهان ، ومنذ تلك اللحظة إنشغل كتبة الإسكندرية بتسجيل كتابات هذا البابا الجليل ، وظلوا منشغلين بالكتابة طول أيام باباويته ، وقد سطعت ( من خلال كتبه ) عبقريته النادرة ، وكانت كتاباته كالسيل الجارف (1)
ويقول الأنبا ساويرس كاتب تاريخ البطاركة : " وكان البابا كيرلس لا يتوقف عن وضع الميامر والمقالات بقوة الروح القدس الناطقة فيه حتى أن رؤساء مدينة الإسكندرية قسموا النساخ فيما بينهم لينسخوا لم ما يكتبه البابا أو يمليه علي الكتبه والنساخ ، وحدث أن قال الفلاسفة للبابا : " أن الإمبراطور يوليانوس الجاحد وضع ميامر يحتقر فيها موسى وجميع الأنبياء ، ويجعل المسيح إنساناً ساذجاً ، وكنا نقرأها (ربما يعنى يدرسونها فى مدرسة الإسكندرية) لأن ألإمبراطور وضعها وقال أن كلام الجليلى سأجعله كذباً لأنه قال لا يبقى حجر على حجر فى هيكل اورشليم إلا وينقض ، وأنا أريد أن ابنيه وأبطل قوله وهدم الإمبراطور يوليانوس ما بقى من الهيكل ليبنية فمات ولم يبنى فيه شيئاً ، وقد صح لنا كلام المخلص وعرفنا ربوبيته ، لأنه
لم يبطل شئ من كلامه "
فلما سمع البابا كيرلس هذا الكلام قلق جداً إلى أن إستطاع أن بحصل على ما كتبه يوليانوس وقرأة فوجده أشد مما وضعه أرحانس وبرفاريوس .
فلما لم يقدر البابا كيرلس أن يجمع النسخ ( كانت فى أيدى الوثنيين ) التى تفرقت من تلك الكتب وتداولها الناس ، فلم يكن أماه إلا أن يكتب إلى الإمبراطور ثيئودوسيوس وأخبره بما قاله له الفلاسفة وقال له : " إن شئت أو أردت أن تهلك ما كتبه الإمبراطور يوليانوس الجاحد وإبادة أفكاره الهرطوقية ومقاومته للسيد المسيح فإجمع هذه الكتب التى كتبها وأضل بها الناس ليرجعهم إلى الوثنية وإحرقها " ففرح الإمبراطور ثيئودوسيوس بكتابه ومجد الرب وفعل كل ما قاله له ، ورد على خطابه بكتاب يسأله أن يصلى ليبارك الرب مملكته ففرح البابا كيرلس بذلك .
ولم يكتفى البابا كيرلس بالتخلص من كتابات
الإمبراطور يوليانوس الجاحد
(3) بل أنه وضع ميامر ومقالات يدحض فيها كل كتابات يوليانوس ويفند أقواله حجة بحجة وبرهاناً ييرهان
لما ظهرت بدعة نسطور بطريرك القسطنطينية الذي تولي الكرسي في سنة 428 م في أيام الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني الذي أنكر أن العذراء هي والدة الإله. اجتمع لأجله مجمع مسكوني مكون من مائتي أسقف بمدينة أفسس في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني الشهير بالصغير فرأس القديس كيرلس بابا الإسكندرية هذا المجمع وناقش نسطور ، وأظهر له كفره وهدده بالحرم والإقصاء عن كرسيه أن لم يرجع عن رأيه الفاسد وكتب حينئذ الإثنى عشر فصلا عن الإيمان المستقيم مفندا ضلال نسطور وقد خالفه في ذلك الأنبا يوحنا بطريرك أنطاكية وبعض الأساقفة الشرقيين منتصرين لنسطور ولكنهم عادوا إلى الوفاق بعد ذلك وانتصر كيرلس علي خصوم الكنيسة وقد وضع كثيرا من المقالات والرسائل القيمة شارحا ومثبتا فيها " أن الله الكلمة طبيعة واحدة ومشيئة واحدة وأقنوم واحد متجسد " وحرم كل من يفرق المسيح أو يخرج عن هذا الرأي ونفي الإمبراطور نسطور في سنة 435 م إلى البلاد المصرية وأقام في أخميم حتى توفي في سنة 440 م . ومن أعمال البابا كيرلس الخالدة شرح الأسفار المقدسة
لبابا كيرلس يرسل رسائل لمقاومة هرطقة نسطور أسقف القسطنطينية
بدعة نسطور :
ملخص بدعة نسطور أن للسيد المسيح أقنومين هما
الذات الإلهية : لا يمكن أن تموت أو تتألم
وذات إنسانية : عرضة لهذه الأمور .
الذات الإنسانية (فى شخص المسيح) هى الذات المتألمة وحدها منفصلة عن الذات الإلهية
وجاهر بهذه الهرطقة ولأنه بطريرك ويتبعه أساقفة وكهنة وشعباً فثارت تنتشر هذه الهرطقة وزادت عندما تعرضت الهرطقة للقب العذراء والدة الكلمة التى صارت جسداً ، حيث إبتدع المضل أن يلقبها كرستوكوس Christokos بدلاً من ثيئوتوكوس Theotokos وقد بنى فكرته الخاطئة التى تقول : " حيث أن الطبيعة الإلهية لا يمكن أن تولد أو تصير إنساناً بشرياً ، فعلى ذلك تكون السيدة العذراء إنما ولدت يسوع الإنسان وليس كلمة الإله الأزلى ، فلا يصح أن تدعى والدة الإله بل والدة المسيح ( الجسدانى )
وكما لعبت كلمة أموسيوس دورها الكبير مع البابا أثناسيوس الرسولى ، لعبت كلمة ثيؤتوكوس دورها كذلك مع كيرلس الكبير .
************ ********* **
البابا كيرلس يرسل رسائل
وقال الأنبا ساويرس كاتب تاريخ البطاركة : " أنه بعد أن كتب البابا كيرلس الكبير كتابات ضد كتابات ومقالات يوليانوس الجاحد وصله مضمون هرطقة نسطور أسقف القسطنطينية فحزن لذلك كثيراً جداً وقال : " لقد مضى كفر يوليانوس حتى جاء تجديف نسطور بطريرك القسطنطينية " وعندما تأكد البابا كيرلس من فساد أقواله وخروجها عن التعليم المستقيم للكنيسة فى العالم كتب له الرسالة التالية :-
سلام الأخوة فى الإله الحقيقى .. الذى وهب لنا النعمة واحدة وجعل جميع المسكونة فى إتفاق وفكر واحد بسفك دمه الذى هو الإيمان بإبن الإله يسوع المسيح .. " وباقى الرسالة معروف ولم يكتب فى هذا الكتاب ، وقد رد الجواب بتجديف ، فكتب البابا كيرلس إلى الأساقفة يعلمهم بتجديف نسطور بطريرك القسطنطينية ، فإجتمعوا معاً وقالوا له : لقد سمعنا بأخبار أفكاره وهذه حالة صعبة تواجه الكنيسة لأن آريوس وشيعته وبولا ومانى وغيرهم من المخالفين للمسيحية لم يكونوا بطاركة وقد أضلوا جماعة من الناس فكيف يكون وهذا بطرك القسطنطينية ؟ "
وفى الوقت الذى أطلق نسطور على نفسه عدو الهراطقة ، وفى الوقت الذى كان نسطور يقول للإمبراطور : " إستأصل معى الهراطقة ، وأنا أستأصل معك جنود الفرس " سقط هو فى البدعة التى لصقت بإسمه فى التاريخ " البدعة النسطورية"
وكان تحديد عيد القيامة فى العالم القديم من مسئولية الكنيسة القبطية ، وكان البابا السكندري يرسل رسائل إلى كنائس العالم برسالة فصحية ، فإنتهز هذه الفرصة ووضع فى رسالته الفصحية فقرات لتفسير الإيمان الصحيح وتوضيحة ، فعطى مثلاً عن كيفيه إتحاد اللاهوت بالناسوت كإتحاد النار بالحديد ، فحين يطرق الحداد على الحديد وهو محمى بالنار يقع الطرق على الحديد دون النار مع كونها (أى النار) متحدة به ( أى بالحديد) ( وهذا الإتحاد الذى بين النار والحديد لا يشوبه إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير - فالنار تظل محتفظة بطبيعتها النارية ، والحديد يحتفظ بطبيعته الحديدية )
وقال أيضاً فى رسالته : أنه على هذا المثال تم إتحاد نار اللاهوت بجسد الناسوت ، وتعجب عن تردد البعض فى تلقيب السيدة العذراء بإسمها التقليدى "ثيئوتوكوس" وأن الأم البشرية رغم أن لا بد لها من خلقة نفس أبنها أو إبنتها فهى تعتبر مع ذلك أم لأبنها بكاملة ، هكذا السيدة العذراء هى بحق أم الكلمة التى صارت جسداً فقد نما داخلها الجسم المقدس الذى إتخذه المخلص وجعله واحداً مع لاهوته بغير إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير ، فهى أم الإله الكلمة الذى صار جسداً أى أنها أماً للإله المتجسد بكاملة .
ثم كتب رسالة أخرى خاصة برهبانة المصريين ، وإستفاض فى الإيضاح ، وركز فيها أن إستعمال تعبير والدة الإله هو التعبير التقليدى الذى إختاره حامى الإيمان القويم البابا أثناسيوس الرسولى ، وأن عقيدة اللاهوت الذى لم يفارق الناسوت لحظة واحدة ولا طرفة عين هذا هو ما أقره آباء مجمع نيقية المسكونى وهذا ما تقوله ألسفار الإلهية أيضاً .
ثم شبه سر التجسد الإلهى بميلاد أى شخص فيه الروح التى لا تكون وليدة المرأة ، هكذا الكلمة المتجسد نما ناسوته داخل العذراء ، لأن لاهوته شاء أن يتخذ جسداً من الحشا البتولى ، لذلك فجسده لم يكن مجرد جسد إنسانى فقط ، ولكنه جسد إنسانى متحد بكلمة الإله أى أن الإله ظهر فى الجسد (1تى3: 16)
ولو كان جسد المسيح أداه (روح وجسد فقط بدون الكلمة) لكان شبيهاً بجسد موسى أو أى نبى آخر ممن كانوا مجرد أدوات لإبلاغ رسالة إلهية للبشر
هكذا شبه موت المسيح بموت الإنسان ، وكما نقول فلان مات مع أن روحه لم تمت (رغم كونها فى الجسد وقت موته) كذلك أيضاً عن ربنا يسوع ساعة موته لاهوته لم يتطرق الموت إليه بتاتاً مع كونه متحداً بناسوته ولو لم يكن ناسوت المسيح متحداً بلاهوته لم يكن لنا خلاص ولن يمكن أن يكون ، فحين كان المخلص وقت والجلد ووقت أن كان معلقاً على الصليب وطعن ومات كان التأثير على الجسد فقط دون أن يتأثر لاهوته بهذا كله ، مع كونه متحداً بجسده ولم يفارقة لحظة واحدة ولا طرفة عين منذ أن حل فى الحشا البتولى.موقف نسطور من رسائل البابا كيرلس الكبير
وقد خلت رسائل البابا كيرلس من إسم نسطور فى رسالته الفصحية ولا حتى فى رسالته لرهبانه المصريين ، ولكن أدرك المبتدع الخبيث قصد البابا كيرلس من شرحه وتوضيحة للإيمان ، وخشى تقويض مذهبة الذى رأى فيه فكره يتحقق بإعتقاد الناس فى عبقريته ، فلم يحتمل السكوت فكتب إلى البابا كيرلس الكبير يزجره على ما جاء فى رسالته .
قرأ البابا رسالة نسطور فبعث رسالة مملوءة حكمة أظهر فيه حلمه وحنوه عليه وخوفه على أخيه من تضليل عدو الخير حتى لا يقع ضحية لعبة الألفاظ اللاهوتية ووضح البابا فى رسالته العقيدة المستقيمة وختمها بأن إستعطفه أن يرجع عن تفكيره الخارج عن الإيمان ومما قالهفى رسالته : " إنك يا صديقى لا تملك محاربة من ذاق الموت عنا ومات بالجسد وهو حى بقوة لاهوته ، وهو الجالس عن يمين ابيه ، والملائكة والرئاسات والأرباب تسجد له "
ويقول قرأ نسطور رسالة البابا كيرلس وكان الفكر الذى ألقاه الشيطان فى مخيلته قد سيطر عليه وتملكه الكبرياء والغرور فلم يسمع لتعليم البابا السكندرى فبعث لمعلم الأرثوذكسية يؤكد عدم مبالاته بتصائحة وتعليمه ونصائحة وبإحتقار رسائله وحرومه .
طول أناة البابا كيرلس الكبير مع عناد نسطور
لكن محبة البابا لإصلاح نسطور حتى يتوقف عن نشره لأفكاره الخاطئة ويوقف البدعة فى مهدها فأرسل رسالة قال له فيها : " بما انك تجلس على كرسى رسولى فإحذر ما أنت فاعله وما تنادى به لأنه تجديف صريح على الرب يسوع بحسب نص الكتاب الذى يشهد " اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآب" (يو1: 18) وأنه عمانؤيل الَّذِي تَفْسِيرُهُ: الإِلهُ مَعَنَ (مت1:23) و (أش7: 14) بل شهادة رب المجد نفسه حين سئل «أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟» فَقَالَ يَسُوعُ:«أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ» ( مر14: 61- 62)
تلك الشهادة التى إعتبرها بولس الرسول أنها الإعتراف الحسن امام بيلاطس البنطى (1تى6: 13) كذلك ما قاله الملاك غبريال لأمنا العذراء والدة الإله " الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ الإِله" لو1 : 35) وهناك كثير من الشواهد تشهد أنه الكلمة المتجسد
بعث البابا كيرلس الإسكندرى بهذا الكلام فى رسالة إلى أخيه نسطور بطريرك القسطنطينية ، ولم يكتفى بذلك بل أرسل رسلاً مملوئيين من الروح القدس ليشرحوا وجهة نظر الكنيسة القبطية ويتدارسوا هذا الفكر فمكثوا شهراً كاملاً بالقسطنطينية وحاولوا مقابلته ولكنه رفض حتى أن يكلمهم فإضطروا إلى العودة .
جمع إقليمى بالأسكندرية ومجمع إقليمى آخر بروما
مجمع الأسكندرية الإقليمى
بعد أن باءت بالفشل كل محاولات البابا كيرلس الـ 24 لتصحيح مفهوم نسطور بطريرك القسطنطينية ، أمر البابا كيرلس عمود الدين بعقد مجمع محلى أو أقليمى من أساقفة الكرازة المرقسية للنظر فى أمر هذه البدعة وتلافى الخطر الذى يهدد الإيمان المسيحى .
تم عرض المشكلة على المجمع ، كما تم قراءة الرسائل المتبادلة بين كيرلس بابا الإسكندرية ونسطور بطريرك القسطنطينية ، وتناقشوا فى امر هذه البدعة وقام البابا كيرلس بشرح وإيضاح هذه البدعة وخطورتها ، أخيرا حكم المجمع على نسطور أنه هرطوقى لخروجه عن معتقد الآباء والأنبياء والرسل الشهداء وصدر القرارات التالية بالإجماع :
أولاً : إدانة نسطور على نشرة بدعة .
ثانياً التمسك بدستور الإيمان الذى سنه مجمع نيقية .
ثالثاً : إضافة مقدمة لقانون الإيمان تشمل العقيدة اإيمانية للكنيسة وتشمل تكريم والدة الإله وقد وضعها البابا كيرلس بنفسه ، وهى نعظمك يا ام النور " وما زالت الكنيسة القبطية وغيرها من الكنائس ترددها حتى يومنا هذا .
وبعث بقرار المجمع المقدس هذا إلى سفراء الكنيسة القبطية فى القسطنطينية (شأن جميع أساقفة الكراسى الرسولية الذين لهم سفراء فى كل دولة ) فذاع القرار فى ربوع مدينة القسطنطينية ، وفرح الشعب فى عاصمة الإمبراطورية البيزنطية لما ورد فيه ، وكتبوا للبابا السكندرى يعبرون له عن بهجتهم وشكرهم لهذه القرارات التى حسمت كفة المناقشات حول هذه البدعة لصالح الإيمان القويم .
نسطور يحاول ضم أسقف روما لبدعته
بدأ النزاع الفكرى بين بطريرك الإسكندرية وبطريرك القسطنطينية يشتعل ، ووجد نسطور فى موقف الدفاع فأراد أن يضم إليه اكبر عدد من الأساقفة ، وخاصة أسقف روما الذى يعتبر قائداً كبيراً فى الكنيسة القديمة طبقاً للترتيب المجمعى الأخير , فبعث إلى سلسلتين أسقف روما برسالة ودية ، ونحيط علم القراء أن الثقافة اليونانية كانت مستحوذة على العالم القديم حتى بعد أن سقطت اليونان وأصبحت ولاية من ولايات الإمبراطورية اليونانية كان الرومان يرسلون اولادهم لمدرسة الأسكندرية أو اثينا لتعلم الثقافة والخطابة وسائر العلوم الأخرى ثم إنقسمت الإمبراطورية إلى قسمين وأصبحت الإمبراطورية الشرقية لغتها وعاصمتها القسطنطينية لغتها اليونانية والغربية وعاصمتها روما لغتها اللاتينية.
وعندما أرسل نسطور رسالة إلى أسقف روما سلسلتين كان يعلم تماماً أن هذا الأسقف للغته اللاتينية يقف بعيداً عن المشاكل اللاهوتية التى يحدثها المتحدثين باللغة اليونانية بين الحين والآخر حيث تستعمل فيها كلمات يونانية تتكون من مقطعين أو أكثر ولها معانى ودلالات مختلفة كما أن لها معانى دقيقة وبها كلمات متشابهة تختلف فى المعنى ، ولكن الأمر مختلف مع كيرلس البطريرك المصرى ، حيث أن المصريين عندما حولوا حروف لغتهم الفرعونية أخذوا الحروف اليونانية فكان من السهل عليهم قراءة الثقافة اليونانية هذا غير وجود مدرسة الأسكندرية ومكتبتا الشهيرة .
ولما كان البابا كيرلس يجيد اللغة اليونانية خاف أن يقع اسقف روما عن غير قصد فى شباك ألفاظها الدقيقة فينخدع فى تعبيراتها خاصة أنه لا أثر لهذه الدقة اللغوية فى اللغة اللاتينية فأرسل إلى يفيقه رسالة يقول فيها : أنه كان يؤثر الصمت ويتحاشى المناقشات إلا انه يشعر بأن الضرورة موضوعة عليه ، لا سيما وأن الشعب القسطنطى الواعى إستجاب لرسالته الفصحية ، وأبدى فرحت ، وإستطرد يشرح له الفكر النسطورى ويكشف له غوامضها ومستوراتها ، وفى الختام تسائل ما الذى يجب أن نعمله ونحن أساقفة الكنيسة إزاء هذا الخطر المحدق أمام هذه البدعة النسطورية ، وإزاء تمسك الشعب القسطنطينى بالإيمان الأرثوذكسى ، ثم ماهى مسئوليتنا أمام السيد المسيح إذا تهاونا .
مجمع روما الإقليمى
وما أن وصلت رسالة البابا كيرلس لأسقف روما (1) وقرأ محتوياتها وعرف قرارات مجمع الإسكندرية الإقليمى حتى سارع هو الاخر لعقد مجمع محلى إقليمى فى روما حضره أساقفة كنيسة غرب الأمبراطورية الرومانية ، وبدأ المجمع بقراءة رسالة البابا كيرلس ورسالة نسطور التى وصلت لأسقف روما ، وناقشوا رسائل نسطور فى التى وردت إليه تباعاً وقارنوها بشروحات البابا الإسكندرى ، وبعد التداول والمناقشة أصدروا القرارات .
وكتب أسقف روما إلى اسقف مصر البابا كيرلس أخبره فيها عن إعجاب المجمع برسالتة التى وضعت الإيمان فى الطريق الصحيح ، وكشفت عن الخلافات الدقيقة اللغوية للمبتدع نسطور أسقف القسطنطينية ، وبهذا وضح الإيمان وضوحاً ملأ القلوب ثباتاً
قرار المجمع المحلى بروما :
*** إعطاء فرصة عشرة أيام لرجوع نسطور عن بدعته فإن لم ينثنى ويرجع عن بدعته خلالها يعد محروماً ومقطوعاً من جسم الكنيسة ، حيث أنه لم يرتضى الدواء الذى قدمه أطباء الكنيسة ممعناً فى الضلال ، وإختتم رسالته للبابا كيرلس المعلم الكبير بأنه وكل إليه أن يتصرف كما يرشده الروح القدس حيث قال : " إننا نثق إنك تتصرف بحكمتك وتضم ما لكرسينا من سلطة إلى سلطة كرسيك ، فتقدم لملاحقة هذا الخطر بقوة لا تهدأ "
************ ********* *****
المـــــراجع
(1) القديس كيرلس الكبير عمود الدين - كنيسة مارجرجس بإسبورتنج ص 20
المجمع المسكونى الثالث : مجمع أفسس المسكونى لمناقشة بدعة نسطور بطريرك القسطنطينية
دعوة الإمبراطور للمجمع وسفر البابا والأساقفة المصريين لأفسس
ظهرت مناقشات كثيرة فى القسطنطية وبلاد الإمبراطورية البيزنطية وإنقسمت ألاراء حول بدعة نسطور بطريرك القسطنطينية ، وكان شعب القسطنطينية بدأ يطالب برفع يد إضطهاد البطريرك نسطور الثقيلة التى كان ينوء تحتها لأنه يقاوم بدعته وبدأت هذه البدعة تقسم الإمبراطورية ووصلت إلى داخل القصر الإمبراطورى فإضطر الإمبراطور أن يضع حداً للتوتر الذى دب فى قلب الكنيسة فى ألإمبراطورية ، وإضطر أيضاً نسطور على الموافقة على عقد المجمع المسكونى معتمداً على مساندة الإمبراطور ومشيريه وخواصه له .
وأرسل الأمبراطور يدعوا الأساقفة بإنعقاد مجمع مقدس مسكونى وحدد ميعاد الإنعقاد فى عيد العنصرة ، وكتب نصاً للتحذير ضد من يتأخر أو يتخلف عن الحضور ، وإستعمل فى دعوته للبابا السكندرى اللهجة الشديدة وكرر إتهامه له بإثارة القلاقل والشقاق فى الكنيسة وفى القصر أيضاً ، كما تضمنت الرسالة عفوا وصفحاً عن أخطائه التى نسبت إليه .
وبدأ البابا الرحلة بعد أن تسلم رسالة الأمبراطور وصحب معه خمسين من أساقفته وأثنين من عمالقة الإيمان المسيحى فى مصر وهما الأنبا شنودة رئيس المتوحدين ، والأنبا بقطر رئيس الأديرة الباخومية .
وعندما وصل ركب البابا والأساقفة المصريين إلى جزيرة رودس ، أرسل رسالة إلى شعبه يطمئنهم عن الرحلة وعن الأحداث الأخيرة .
وعندما وصل البابا كيرلس إلى مدينة أفسس مع مرافقية من الأساقفة فرحب الأنبا ممنون أسقف أفسس بالبابا ومرافقية ووضع جميع كنائس الإبروشية تحت أمرهم فقاموا بالصلوات والخدمات هناك ، ولكنه لم يسمح لنسطور أو أى من أعوانه بممارسة الطقوس الدينية حيث أنه يحاكم بسبب بدعة إخترعها ، وقد ثاروا وأتهموه بالتحيز للبابا المصرى حيث أنه مصرى بالمولد ، ولكنه فى تقديرى مصرى أرثوذكسى قبطى أصيل لا شك فيه .
مائتان أسقف فى أفسس
ووصل عدد الأساقفة الذين وفدوا لمدينة أفسس لحضور مجمع أفسس المسكونى حوالى مائتان أسقف من مختلف بلاد الإمبراطورية البيزنطية ، ومن بينهم يوبيناليوس أسقف أورشليم ، وحضره أيضاً أكاكيوس الشيخ الوقور أسقف حلب الذى وصل سنة فى وقت حضوره لمجمع أفسس مائة سنة والذى سبق له ان حضر مجمع القسطنطينية الثانى .
وإختار الأساقفة جميعهم أن يكون مكان الإجتماع لمجمع أفسس هو كنيسة تحمل أسم والدة الإله ، فكان هذا رد مبدأى على بدعة نسطور بطريرك القسطنطينية ، وكانت هذه الكنيسة هى مقر أسقفية أفسس والكنيسة الرئيسية بها وقد فرح ممنون بهذا الإختيار .
لماذا تعطل المجمع 16 ستة عشر يوماً
كان من المقرر أن يفتتح جلسات المجمع المقدس يوم أحد العنصرة الموافق 13 بؤونة - 7 يونيو سنة 431 م ، ولكن ألهضاء السريان والرومان تأخروا عن الحضور وأنتظر الجميع 16 يوماً ، ووصل أعضاء الوفد الأنطاكى وهم عبارة عن أسقفين كانا يحملان خطابأ من يوحنا الأنطاكى بطريركهم يرجوهم فيه عدم إنتظاره ولا يمانع من إنعقاد جلسات المجمع قبل وصوله ، إلا أنه كان واضحاً عدم رغيته فى الحضور فى مجمع من المتوقع فيه أنه سيحكم على صديقه نسطور .
إنضمام الكنيسة الأفريقية والرومانية للقبطية فى التصويت
ثم وصل الوفد الرومانى حاملاً رسالة من الأسقف الرومانى سلستينوس أسقف روما تقول : " حالما تصلون إذهبوا لمقابلة كيرلس أخينا وشريكنا فى الخدمة الرسولية ، وأعملوا بموجب قراراته كلها ... " وكان وفد الكنيسة الرومانية مكون من أسقفين مندوبين عن مجمع أساقفة روما وهما أركاديوس وبروجاكتس ثم القس فيلبس مندوب شخصى عن سلستينوس بطريرك روما .
أما الكنائس الأفريقية فقد تغيب أعضاؤها لنشوب قتال حرب الفاندال فى ذلك الوقت وقد بعث أساقفة افريقيا برسالة إلى البابا كيرلس ليقوم بتمثيلهم فى المجمع لأنهم كانوا يعدونه لسان حال الكنيسة ألرثوذكسية الجامعة فى أفريقيا ( وكانوا قد سبقوا وإحتكموا إليه حينما وقع خلاف بينهم وبين زوسيموس اسقف روما اليابق الذى كان قد إدعى أنه يملك الحق فى إستئناف القضايا بدعوى أن قانون نيقية السادس يخوله هذا الحق فإلتجأوا إلى كيرلس حتى يرسل لهم القوانين الأصلية ، فأرسل لهم نسخة منها وعندما قرأوها إكتشفوا إدعاء أسقف روما ومن ثم حلت المشكلة التى بينهما ومن ذلك الوقت صاروا يكنون كل محبة ووقار للبابا السكندرى .
************ ********* *****
المـــــراجع
(1) القديس كيرلس الكبير عمود الدين - كنيسة مارجرجس بإسبورتنج ص 24 - 28
حداث المجمع المسكونى الثالث الشهير بمجمع أفسس وقراراته
نسطور بطريرك القسطنطينية يمتنع عن الحضور
وإنتظر الأساقفة أعضاء المجمع حضور نسطور الذى كان يوج فى أفسس وحضر قبل ميعاد إنعقادة وكان قد دخل المدينة فى إحتفال عظيم ، حيث كان الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى مؤيداً له فأحاطة بهالة من الرهبة ليشيع الرعب فى القلوب وكان قد بعث فى إستقباله أحد رجال بلاطه وهو النبيل إيريناوس والمندوب الإمبراطورى كاندينياس ، ومعهم مجموعة من الجن مدججين بالسلاح ،
فأناس الأساقفة المجتمعون ثلاثة منهم لدعوته ، فلم يلبى الدعوة ، ثم عادوا فأرسلوهم مرة ثانية ثم ثالثة ولكنه أصر على الرفض وتمادى فى شططه فأوعز إلى الجند المكلفين بحراسته من قبل الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى أن يهزأوا بالأساقفة أعضاء المجمع المكلفين بدعوته .
مجمع أفسس المسكونى يبدأ جلساته
وبدأت جلسات المجمع فى يوم 28 بؤونة الموافق 22 يونيو سنة 432 فلم يسع الأساقفة إزاء تعنت نسطور وإستهزاءة بالأساقفة وعدم إذعانه بالحضور إلا أن يفتتحوا المجمع برئاسة بابا الإسكندرية .
فى بداية الجلسة طالب أسقف أورشليم بقراءة دستور الإيمان الذى سنة مجمع نيقية والقسطنطينية بإعتبارهما اساس الإيمان ، والمرجع الأصلى للقضايا الإيمانية .
وبناء على هذا الطلب قام القس بطرس السكندرى الذى كلف من قبل المجلس ليرأس كتبة المجمع بقراءة دستور الإيمان ، وبعد الإنتهاء قرأ رسالة البابا كيرلس إلى نسطور والحروم الأثنى عشر ، وقرأ ايضاً ردود نسطور على رسائل البابا كيرلس والتى تتضمن بدعته وخروجه عن الإيمان .
وظلت الجلسة مفتوحة طول اليوم ، ولم يقم احد للدفاع عن الفكر الهرطوقى لنسطور إذ سبق أن حكم ضده حكمان من مجمعين إقليمين (محليين) أحدهما بالأسكندرية والأخر كان فى روما ، وكان مجمع الأسكندرية هو الأكثر تأثيراً لأنه ناقش موضوع بدعة نسطور من جميع الجوانب ، وكان من نتائج هذا المجمع أن أعز أصدقاء نسطور قد أدانه ومن بينهم أكاكيوس أسقف ميلين ، وثيئودوتس أسقف أنقرة .
وكانت الجماهير محتشدة حول الكنيسة التى كانت تقام فيها جلسات المجمع وكانوا يترقبون قرار المجمع لمحبتهم للسيدة العذراء ام المخلص ، وما أن صدر القرار بقطع نسطور بطيريرك القسطنطينية حتى تعالت هتافاتهم فى فرح مرنمين ومسبحين وطافوا فى الشوارع مهنئين بعضهم بعضاً بسقوط أعداء العذراء وتمجيد أم المخلص ، وإحتفوا بالأساقفة الأبطال الذين أصدروا القرار بالرغم من تحيز الأمبراطور ثيودوسيوس الثانى لنسطور وسار الشعب أمام الساقفة مرنمين فى شوارع المدينة متهللين حتى وصلوا إلى مقر إقامة نسطور ، لتسليمه القرار.
أما البابا كيرلس فلم يتوانى فى إخبار شعبه فى مصر بالأخبار أولاً بأول ولم يكد ينتهى المجمع حتى ذهب إلى مقر إقامته وسارع بالكتابة إلى أولاده بمصر يطمنهم أن كيف أن الرب تمجد وحكم على نسطور بالإدانة وتحريم بدعته !!
خداع نسطور وتزويره قرارات المجمع
وبينما كان الشعب الأفسسى يجول فى شوارعها فرحاً بالحكم على نسطور ، كان نسطور يخطط فى الظلام لخداع الإمبراطور كما كان مجمع السنهدريم اليهودى يخطط للقبض على السيد المسيح ، فراح يتآمر مع الكونت كاندينياس المندوب الإمبراطورى وإتفقوا على خداع الإمبراطور وإرسال قرارات مزورة غير حقيقية يحملها إيريناوس أحد رجال البلاط ، مع أوامر مشددة لقوات حفظ النظام بالعاصمة القسطنطينية بالعمل على عدم وصول القرارات الرسمية لمجمع أفسس الحقيقية ، وصرت الأوامر فى أفسس للجند بحراسة أبواب المدينة لمنع رسل المجمع او اساقفته بالخروج من المدينة والإتصال بالأمبراطور ، وحاصروا الأماكن التى يسكنها الأساقفة حتى كاد الجند أن يمنعوا عنهم الطعام .
وبالرغم من معاملة الجند القاسية للأساقفة فكان البابا كيرلس يشجعهم فإزدادوا صلابة وثباتاً وتمسكاً بقرارات المجمع الأفسسى ، وفى نفس الوقت إستطاع البابا كيرلس أن يرسل رسالتين رعويتين لشعب القسطنطينية الذى إنزعج من هرطقة نسطور بطريرك القسطنطينية فطمأن قلوبهم ، أما فى أفسس فقد إعتلى منبر كنيسة أم الإله فى أفسس وخاطب الشعب الأفسسى الغيور على الإيمان مفسراً لهم تجسد الكلمة وإتحاد اللاهوت بالناسوت إتحاداً تاماً بغير إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير ، وعن السيدة العذراء مريم أمه والعذراء فى آن واحد .
ولما رأى المندوب الإمبراطورى أن التيار الذى يقوده البابا المصرى بدأ يقوى ضد نسطور فإتفق مع نسطور على رفع شكوى للأمبراطور ضد الساقفة المصريين ، وضد ممنون أسقف أفسس بإعتباره مصرى المولد وفتح كنائس أفسس للأساقفة المصريين ومن هم ضد نسطور وأغلقها ضد النساطرة .
************ ********* *****
مجمع غير قانونى يحرم البابا السكندرى وممنون أسقف أفسس
وبعد أن فض المجمع جلساته وأصدر قراراته وصل البطريرك الأنطاكى يوحنا وبرفقته إثنان وثلاثون أسقفأ ، فأسرع المندوب الإمبراطورى لملاقاته حتى لا يتصل بأباء المجمع وأمر الجنود بحراسة المكان المعد لإضافته ، ومنع أى أسقف من الأتصال به ، وحاول اساقفة المجمع الإتصال به ولكنهم أخفقوا ، واخيراً أجتمع رأيهم على أن يقفوا بباب داره ، وظل الآباء الأساقفة واقفين بالباب ساعتين طالبين مقابلته إلا أنه رفض مقابلتهم وأمتنع بإرادته ، وكل ما فعله انه وكل كتبته ليقابلوهم ، فعز على ألاباء الساقفة ذلك كثيراً وإضطروا إلى العودة حيث عقد المجمع جلسة عاجلة سجلوا فيها هذه الأحداث .
مجمع غير قانونى يحرم البابا السكندرى وممنون أسقف أفسس
وتمادى يوحنا الأنطاكى فى عنادة وإنضم إلى نسطور واساقفته وعقد مجمع منفصلاً حضره 43 أسقفاً أى أنه هو وأساقفته 33 أسقفاً + أساقفة نسطور العشرة الباقيين ، تداول فيه قرارات المجمع المسكونى وأتهم البابا كيرلس وممنون أسقف أفسس بأنه تعجلا فتح المجمع ،بالرغم من أنه أرسل رسولا إلى المجمع يصرح فيه أن لا ينتظروه وأنه سيتأخر ، ورفض أيضاً الحروم الإثنى عشر ، واصدر هذا المجمع الغير قانونى خلع وحرم كل من كيرلس وممنون عن كراسيهما .
ثورة اهل أفسس
وكان خلع ممنون أسقف أفسس هو الخطأ المميت الذى وقع فيه الحزب النسطورى الذى إنضم إليه يوحنا النطاكى وأساقفته ، فقد ثار أهل أفسس ثورة عارمه لمحبتهم لسقفهم ولم يقبلوا اسقفاً غيره ، ووردت أخبار ثورتهم غلى القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية وكان ألإمبراطور ثيودوسيوس الثانى مؤيداً لنسطور وهرطقته ومسانداً لقرارات يوحنا الأنطاكى صديقة ، لذلك اصدر أمراً لـ كندينياس المندوب الإمبراطورى بضرب الشعب بالعصى وتعذيب الذين لا ينصاعون للأوامر حتى يخضعوا ، وقد ظنوا أن الإضطهاد يرعبهم ، ولكن الشعب الصامد إزداد صلابة وثباتاً ، وخشى يوحنا الأنطاكى من تفاقم الموقف ولم يجرؤ على فرض أسقف دخيل ، كما لم يجرؤ أيضاً على منع الأساقفة الشرعيين من إقامة الشعائر الدينية .
إلتئام مجمع أفسس المسكونى وحرمان يوحنا واساقفته
طالب البابا كيرلس وممنون أسقف أفسس مجمع أفسس الشرعى ان يجتمع ويفحص أحقية قرار الخلع الذى اصدره يوحنا أسقف أنطاكية ضدهما ، ونزولاً على رغبتهما إلتأم المجمع قبل إنفضاضه خصيصاً فى نفس المكان ، وأرسلوا ثلاثة اساقفة لإستدعاء يوحنا ألنطاكى لكنه رفض تلبة الدعوة ، فأرسلوا له ثانية ، ومرة ثالثة تنفيذاً لوصية الإنجيل ، ولكنه رفض كالعادة وأصر الرفض .
وبعد أن ناقش المجمع ما فعله يوحنا اسقف أنطاكية قرر أنه لا بد أن يؤاخذ على خطأين :
1 - أن يوحنا اسقف أنطاكية لا يملك إصدار حكم على أسقف يراس مجمعاً
2 - قرر مجمع أفسس أن يوحنا إنفصل عن مجمع أفسس وكون له حزباً ذو صفة خاصة ، لهذا لا يملك قوة المجمع المسكونى العالمى لهذا أعلن مجمع أفسس أن قرار خلع الأسقفين باطل بطلاناً مطلقاً .
وفى اليوم التالى إجتمع مجمع أفسس وأرسل رسلاً بإستدعاء يوحنا اسقف أنطاكية ليبلغه قراراته الأخيرة ولكنه اصر على عدم الحضور ، فإضطر مجمع افسس المسكونى لإصدار حكماً بقطعه هو وأنصاره باسمائهم ، علاوة على تأكيد بطلان قراراتهم ضد كيرلس وممنون .
القبض على البابا كيرلس وممنون وإيداعهما السجن
وكان مجمع أفسس المسكونى يرسل القرارات أولاً بأول إلى الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى إلا أن المندوب الإمبراطورى قد أصدر أمراً لحراس الطرق ومداخل المدن ألا يدع أحداً يتصل بالأمبراطور ، وعلى ذلك فلم يتسلم الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى سوى الرسائل التى زيف فيها المندوب الإمبراطورى الحقائق ، وأوهمه فيها أن نسطور ويوحنا الأنطاكى ومجمعهما المزيف قد خلعا البابا كيرلس وممنون أسقف أفسس .
وبسرعة وبدون تروى لإستطلاع الأمور أرسل الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى إلى أفسس الأمير يوحنا أحد شرفاء قصره يحمل المر الإمبراطورى بالتصديق على خلع البابا كيرلس وممنون أسقف أفسس .
وحين إستلم مندوب الأمبراطور أمر الخلع أمر بالقبض على البطلين الأرثوذكسيين البابا كيرلس وممنون أسقف أفسس ووضعوا كلاً منهما فى حبساً منفرداً ، وشددوا عليهما الحراسة ، ولتهدئة أهل أفسس أطلقوا الشائعات والإفتراءات الباطلة وكان بطل ترويجها يوحنا الأنطاكى وأساقفته ، حتى بلغت حد التصديق ، حتى أنه بلغ قوة هذه الشائعات وحبكها أنها عندما وصلت إلى بعض أصدقاء البابا كيرلس صدقوها وكان من بينهم كايسيذوروس الفرمى (من بلدة الفرما على حدود مصر) فكتب رسالة يعاتبه فيها على ما يسمعه من شائعات كثيرة لا تليق بمعلم كبير مثله .
خطاب من آباء مجمع افسس المسكونى لكهنة القسطنطينية وشعبها
إستاء آباء مجمع افسس المسكونى من هذا التصرف فكتبوا رسالة إلى كهنة القسطنطينية وشعبها ، سجلوا فيه المعاملة القاسية التى عوملوا بها من مندوب الإمبراطور ، وتحيز رجال البلاط لنسطور تحيزاً ملموساً ، وبالرغم من توقيع جميع آباء مجمع افسس المسكونى على قرار حرمات وخلع نسطور إلا أن يوحنا ألنطاكى لم يعبأ بالقرار ، بل واصدر حكماً من مجمعه المزيف بخلع البابا كيرلس وممنون أسقف أفسس فى عناد وتصلف ليقابل هذا الحرم بالحرم الذى أصدره المجمع ضد نسطور صديقة ، وقد اوضح مجمع افسس فى رسالته أن يوحنا الأنطاكى بإنفصالة وتحزبه عن آباء الكنيسة فى المجمع قد أضاع السلطة فى ان يصدر حكماً لأنه تحزب وتحيز ، فإن شاء الإمبراطور أن يطلع على حقيقة ما حدث وما دار بين الطرفين عليه أن يستدعيهم لمقابلته شخصياً ، أما لو شاء هو أن نموت فلن نتنازل عن إيماننا ، فسنرضى بالموت عن أن نخون سيدنا المسيح له المجد ، وقد قام بالتوقيع على هذه الرسالة الأسقف الأورشليمى الذى أصبح رئيس المجمع بعد أن قبض على البابا كيرلس وأودع السجن .
عكاز ينقل الحقيقة للأمبراطور ثيودوسيوس الثانى
وبينما كان البابا كيرلس البطريرك القبطى وممنون أسقف القسطنطينية فى السجن ، إستطاع الإكليروس القسطنطينى أن يتصلوا بالأمبراطور ثيودوسيوس الثانى ويطلعوه على الرسالة التى وردت إليهم من مجمع أفسس المسكونى ، فإحتار الأمبراطور ثيودوسيوس الثانى فأرسل إلى البابا كيرلس وهو فى السجن ليكتب رسالة إلى كهنة القسطنطينية وشعبها .
فكتب البابا الرسالة ووضح التعتيم الذى قام به مندوب الأمبراطور والخدعة التى خدعوا بها الإمبراطور ، وما فعله الأمير يوحنا الذى إستدرج يوحنا الأنطاكى والآباء الأساقفة التابعين له ، وقرار مجمع أفسس الذى أعلنوه بأنهم لم يقبلوا إقتراحه ما لم يسحب يوحنا الأنطاكى كل ما قرره ضد الآباء الأرثوذوكسيين .
ولم يرفض مجمع أفسس إقتراح الأمير : بأن يجهر كل من الفريقيين بإيمانه كتابتاً ، فإستجاب المجمع لهذا الإقتراح وكتب له مضمون الإيمان الأرثوذكسى وذيل رسالته تلك بقوله .. أن هذا هو إيمان الكنيسة الذى إصطبغ الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى بمعموديتها .. كما علقوا على سوء المعاملة التى قوبل بها الأساقفة بأن قال : " إننا لم نحضر إلى أفسس كمتهمين ولكننا جئنا لإقرار الإيمان الحق "
وكتب البابا كيرلس خطاباً آخر إلى سفرائه الثلاثة بالقسطنطينية ..
عكاز فى يد شحاذ ينقل الحقيقة للأمبراطور ثيودوسيوس الثانى
أرسل آباء مجمع أفسس رسائل إلى الإمبراطور ولكنها لم تصل إليه للحصار المفروض عليهم وعلى الطرق ومداخل المدينة حيث صدرت الأوامر من المندوب الأمبراطورى إلى الحراس والجنود حول أبواب المدن وبالطرقات بعدم إتصال أحدهم أو تسليم رسالة من مجمع افسس إلى الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى ولكن تفتقت أذهانهم إلى حيلة غريبة لكى يضمنوا بها وصول رسالتهم إلى الإمبراطور فاودعوها فى قصبة مفرغة وأعطوها إلى راهباً أرثوذكسياً فاضلاً لتوصيلها للإمبراطور بعد أن يتنكر فى زى شحاذ غريب ، وما كان أقرب الرهبان والنساك فى ذلك العصر إلى الفقراء ، فخرج الجندى المجهول الذى لم يذكر المؤرخون إسمه والذى ضحى بحياته فى إنكار للذات من أجل إيصال الحقيقة ، وكانت العصا المفرغة التى كان يتوكأ عليها طيلة الطريق تحتوى على ثلاثة رسائل من المجمع ورسالتى البابا كيرلس .
يخرج من البرية فى موكب ملائكى
وكان بالقرب من القسطنطينية راهباً ناسكاً متعبداً فى مغارة إسمه دلماتيوس لم يغادرها لمدة 48 سنة ، وكان كثيراً ما يزورة الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى فى وحدته ويتبرك منه ، ولما وصلت هذا الراهب أخبار مجمع افسس وسجن الأنبا كيرلس والأسقف ممنون وهرطقة نسطور ، شعر أن من واجبه الخروج من كهفه ويترك عزلته ليشهد للحق ، فتقلد بالأنبا انطونيوس اب الرهبان الذى ذهب ليقاوم بدعة آريوس .
فسار الراهب الناسك دلماتيوس فى شجاعة قاصداً القصر الإمبراطورى وما إن سمع شعب القسطنطينية أن الراهب دلماتيوس قادما لمدينتهم حتى إلتفوا حوله وتزاحموا وألفوا موكباً ملائكياً رائعاً ينشدون الألحان ويترنمون بالمزامير إلى أن وصلوا إلى القصر ، وهناك إنفرد عن الجموع وتقدم ليجتمع مع الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى ، ويشاء الترتيب الإلهى ان يكون الراهب حامل الرسائل المخبأة فى عكازه قد وصل .
وهنا وقف الأمبراطور على حقيقة الأمر وكان قد تسلم رسالة فى نفس الوقت من يوحنا الأنطاكى فى غاية الرقة ليستميل بها الإمبراطور وذكر بها أن المصرى المتكبر أصل البلاء ، وتناقش الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى مع الراهب دلماتيوس فى حل سريع لهذه المشكلة فأشار عليه المتوحد دلماتيوس أن يحضر ثمانية مندوبين عن كل من الفريقين المتخاصمين إلى القسطنطينية ويمثلون امام الإمبراطور .
ولاقى الإقتراح قبولاً وإستحساناً لدى الإمبراطور لثقته الكبيرة فى الروح الإلهية الذى كان يتكلم بها دلماتيوس المتوحد ، فأرسل على الفور رسلاً إلى مدينة أفسس لتنفيذ إقتراح دلماتيوس .
الجاحد
قد وصل للبابا معلومات تفيد أن الشباب فى الإسكندرية يتسلى بقراءة مقالات عشرة كتبها الإمبراطور يوليانوس بعد جحودة وإنكاره لإله المسيحيين ، وكان الوثنيين يتباهون بأن هذه المقالات ستقوض أركان المسيحية ، فقرأ البابا كيرلس هذه المقالات ونقضها حجة بحجة وبرهاناً ببرهان ، ومنذ تلك اللحظة إنشغل كتبة الإسكندرية بتسجيل كتابات هذا البابا الجليل ، وظلوا منشغلين بالكتابة طول أيام باباويته ، وقد سطعت ( من خلال كتبه ) عبقريته النادرة ، وكانت كتاباته كالسيل الجارف (1)
ويقول الأنبا ساويرس كاتب تاريخ البطاركة : " وكان البابا كيرلس لا يتوقف عن وضع الميامر والمقالات بقوة الروح القدس الناطقة فيه حتى أن رؤساء مدينة الإسكندرية قسموا النساخ فيما بينهم لينسخوا لم ما يكتبه البابا أو يمليه علي الكتبه والنساخ ، وحدث أن قال الفلاسفة للبابا : " أن الإمبراطور يوليانوس الجاحد وضع ميامر يحتقر فيها موسى وجميع الأنبياء ، ويجعل المسيح إنساناً ساذجاً ، وكنا نقرأها (ربما يعنى يدرسونها فى مدرسة الإسكندرية) لأن ألإمبراطور وضعها وقال أن كلام الجليلى سأجعله كذباً لأنه قال لا يبقى حجر على حجر فى هيكل اورشليم إلا وينقض ، وأنا أريد أن ابنيه وأبطل قوله وهدم الإمبراطور يوليانوس ما بقى من الهيكل ليبنية فمات ولم يبنى فيه شيئاً ، وقد صح لنا كلام المخلص وعرفنا ربوبيته ، لأنه
لم يبطل شئ من كلامه "
فلما سمع البابا كيرلس هذا الكلام قلق جداً إلى أن إستطاع أن بحصل على ما كتبه يوليانوس وقرأة فوجده أشد مما وضعه أرحانس وبرفاريوس .
فلما لم يقدر البابا كيرلس أن يجمع النسخ ( كانت فى أيدى الوثنيين ) التى تفرقت من تلك الكتب وتداولها الناس ، فلم يكن أماه إلا أن يكتب إلى الإمبراطور ثيئودوسيوس وأخبره بما قاله له الفلاسفة وقال له : " إن شئت أو أردت أن تهلك ما كتبه الإمبراطور يوليانوس الجاحد وإبادة أفكاره الهرطوقية ومقاومته للسيد المسيح فإجمع هذه الكتب التى كتبها وأضل بها الناس ليرجعهم إلى الوثنية وإحرقها " ففرح الإمبراطور ثيئودوسيوس بكتابه ومجد الرب وفعل كل ما قاله له ، ورد على خطابه بكتاب يسأله أن يصلى ليبارك الرب مملكته ففرح البابا كيرلس بذلك .
ولم يكتفى البابا كيرلس بالتخلص من كتابات
الإمبراطور يوليانوس الجاحد
(3) بل أنه وضع ميامر ومقالات يدحض فيها كل كتابات يوليانوس ويفند أقواله حجة بحجة وبرهاناً ييرهان
لما ظهرت بدعة نسطور بطريرك القسطنطينية الذي تولي الكرسي في سنة 428 م في أيام الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني الذي أنكر أن العذراء هي والدة الإله. اجتمع لأجله مجمع مسكوني مكون من مائتي أسقف بمدينة أفسس في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني الشهير بالصغير فرأس القديس كيرلس بابا الإسكندرية هذا المجمع وناقش نسطور ، وأظهر له كفره وهدده بالحرم والإقصاء عن كرسيه أن لم يرجع عن رأيه الفاسد وكتب حينئذ الإثنى عشر فصلا عن الإيمان المستقيم مفندا ضلال نسطور وقد خالفه في ذلك الأنبا يوحنا بطريرك أنطاكية وبعض الأساقفة الشرقيين منتصرين لنسطور ولكنهم عادوا إلى الوفاق بعد ذلك وانتصر كيرلس علي خصوم الكنيسة وقد وضع كثيرا من المقالات والرسائل القيمة شارحا ومثبتا فيها " أن الله الكلمة طبيعة واحدة ومشيئة واحدة وأقنوم واحد متجسد " وحرم كل من يفرق المسيح أو يخرج عن هذا الرأي ونفي الإمبراطور نسطور في سنة 435 م إلى البلاد المصرية وأقام في أخميم حتى توفي في سنة 440 م . ومن أعمال البابا كيرلس الخالدة شرح الأسفار المقدسة
لبابا كيرلس يرسل رسائل لمقاومة هرطقة نسطور أسقف القسطنطينية
بدعة نسطور :
ملخص بدعة نسطور أن للسيد المسيح أقنومين هما
الذات الإلهية : لا يمكن أن تموت أو تتألم
وذات إنسانية : عرضة لهذه الأمور .
الذات الإنسانية (فى شخص المسيح) هى الذات المتألمة وحدها منفصلة عن الذات الإلهية
وجاهر بهذه الهرطقة ولأنه بطريرك ويتبعه أساقفة وكهنة وشعباً فثارت تنتشر هذه الهرطقة وزادت عندما تعرضت الهرطقة للقب العذراء والدة الكلمة التى صارت جسداً ، حيث إبتدع المضل أن يلقبها كرستوكوس Christokos بدلاً من ثيئوتوكوس Theotokos وقد بنى فكرته الخاطئة التى تقول : " حيث أن الطبيعة الإلهية لا يمكن أن تولد أو تصير إنساناً بشرياً ، فعلى ذلك تكون السيدة العذراء إنما ولدت يسوع الإنسان وليس كلمة الإله الأزلى ، فلا يصح أن تدعى والدة الإله بل والدة المسيح ( الجسدانى )
وكما لعبت كلمة أموسيوس دورها الكبير مع البابا أثناسيوس الرسولى ، لعبت كلمة ثيؤتوكوس دورها كذلك مع كيرلس الكبير .
************ ********* **
البابا كيرلس يرسل رسائل
وقال الأنبا ساويرس كاتب تاريخ البطاركة : " أنه بعد أن كتب البابا كيرلس الكبير كتابات ضد كتابات ومقالات يوليانوس الجاحد وصله مضمون هرطقة نسطور أسقف القسطنطينية فحزن لذلك كثيراً جداً وقال : " لقد مضى كفر يوليانوس حتى جاء تجديف نسطور بطريرك القسطنطينية " وعندما تأكد البابا كيرلس من فساد أقواله وخروجها عن التعليم المستقيم للكنيسة فى العالم كتب له الرسالة التالية :-
سلام الأخوة فى الإله الحقيقى .. الذى وهب لنا النعمة واحدة وجعل جميع المسكونة فى إتفاق وفكر واحد بسفك دمه الذى هو الإيمان بإبن الإله يسوع المسيح .. " وباقى الرسالة معروف ولم يكتب فى هذا الكتاب ، وقد رد الجواب بتجديف ، فكتب البابا كيرلس إلى الأساقفة يعلمهم بتجديف نسطور بطريرك القسطنطينية ، فإجتمعوا معاً وقالوا له : لقد سمعنا بأخبار أفكاره وهذه حالة صعبة تواجه الكنيسة لأن آريوس وشيعته وبولا ومانى وغيرهم من المخالفين للمسيحية لم يكونوا بطاركة وقد أضلوا جماعة من الناس فكيف يكون وهذا بطرك القسطنطينية ؟ "
وفى الوقت الذى أطلق نسطور على نفسه عدو الهراطقة ، وفى الوقت الذى كان نسطور يقول للإمبراطور : " إستأصل معى الهراطقة ، وأنا أستأصل معك جنود الفرس " سقط هو فى البدعة التى لصقت بإسمه فى التاريخ " البدعة النسطورية"
وكان تحديد عيد القيامة فى العالم القديم من مسئولية الكنيسة القبطية ، وكان البابا السكندري يرسل رسائل إلى كنائس العالم برسالة فصحية ، فإنتهز هذه الفرصة ووضع فى رسالته الفصحية فقرات لتفسير الإيمان الصحيح وتوضيحة ، فعطى مثلاً عن كيفيه إتحاد اللاهوت بالناسوت كإتحاد النار بالحديد ، فحين يطرق الحداد على الحديد وهو محمى بالنار يقع الطرق على الحديد دون النار مع كونها (أى النار) متحدة به ( أى بالحديد) ( وهذا الإتحاد الذى بين النار والحديد لا يشوبه إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير - فالنار تظل محتفظة بطبيعتها النارية ، والحديد يحتفظ بطبيعته الحديدية )
وقال أيضاً فى رسالته : أنه على هذا المثال تم إتحاد نار اللاهوت بجسد الناسوت ، وتعجب عن تردد البعض فى تلقيب السيدة العذراء بإسمها التقليدى "ثيئوتوكوس" وأن الأم البشرية رغم أن لا بد لها من خلقة نفس أبنها أو إبنتها فهى تعتبر مع ذلك أم لأبنها بكاملة ، هكذا السيدة العذراء هى بحق أم الكلمة التى صارت جسداً فقد نما داخلها الجسم المقدس الذى إتخذه المخلص وجعله واحداً مع لاهوته بغير إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير ، فهى أم الإله الكلمة الذى صار جسداً أى أنها أماً للإله المتجسد بكاملة .
ثم كتب رسالة أخرى خاصة برهبانة المصريين ، وإستفاض فى الإيضاح ، وركز فيها أن إستعمال تعبير والدة الإله هو التعبير التقليدى الذى إختاره حامى الإيمان القويم البابا أثناسيوس الرسولى ، وأن عقيدة اللاهوت الذى لم يفارق الناسوت لحظة واحدة ولا طرفة عين هذا هو ما أقره آباء مجمع نيقية المسكونى وهذا ما تقوله ألسفار الإلهية أيضاً .
ثم شبه سر التجسد الإلهى بميلاد أى شخص فيه الروح التى لا تكون وليدة المرأة ، هكذا الكلمة المتجسد نما ناسوته داخل العذراء ، لأن لاهوته شاء أن يتخذ جسداً من الحشا البتولى ، لذلك فجسده لم يكن مجرد جسد إنسانى فقط ، ولكنه جسد إنسانى متحد بكلمة الإله أى أن الإله ظهر فى الجسد (1تى3: 16)
ولو كان جسد المسيح أداه (روح وجسد فقط بدون الكلمة) لكان شبيهاً بجسد موسى أو أى نبى آخر ممن كانوا مجرد أدوات لإبلاغ رسالة إلهية للبشر
هكذا شبه موت المسيح بموت الإنسان ، وكما نقول فلان مات مع أن روحه لم تمت (رغم كونها فى الجسد وقت موته) كذلك أيضاً عن ربنا يسوع ساعة موته لاهوته لم يتطرق الموت إليه بتاتاً مع كونه متحداً بناسوته ولو لم يكن ناسوت المسيح متحداً بلاهوته لم يكن لنا خلاص ولن يمكن أن يكون ، فحين كان المخلص وقت والجلد ووقت أن كان معلقاً على الصليب وطعن ومات كان التأثير على الجسد فقط دون أن يتأثر لاهوته بهذا كله ، مع كونه متحداً بجسده ولم يفارقة لحظة واحدة ولا طرفة عين منذ أن حل فى الحشا البتولى.موقف نسطور من رسائل البابا كيرلس الكبير
وقد خلت رسائل البابا كيرلس من إسم نسطور فى رسالته الفصحية ولا حتى فى رسالته لرهبانه المصريين ، ولكن أدرك المبتدع الخبيث قصد البابا كيرلس من شرحه وتوضيحة للإيمان ، وخشى تقويض مذهبة الذى رأى فيه فكره يتحقق بإعتقاد الناس فى عبقريته ، فلم يحتمل السكوت فكتب إلى البابا كيرلس الكبير يزجره على ما جاء فى رسالته .
قرأ البابا رسالة نسطور فبعث رسالة مملوءة حكمة أظهر فيه حلمه وحنوه عليه وخوفه على أخيه من تضليل عدو الخير حتى لا يقع ضحية لعبة الألفاظ اللاهوتية ووضح البابا فى رسالته العقيدة المستقيمة وختمها بأن إستعطفه أن يرجع عن تفكيره الخارج عن الإيمان ومما قالهفى رسالته : " إنك يا صديقى لا تملك محاربة من ذاق الموت عنا ومات بالجسد وهو حى بقوة لاهوته ، وهو الجالس عن يمين ابيه ، والملائكة والرئاسات والأرباب تسجد له "
ويقول قرأ نسطور رسالة البابا كيرلس وكان الفكر الذى ألقاه الشيطان فى مخيلته قد سيطر عليه وتملكه الكبرياء والغرور فلم يسمع لتعليم البابا السكندرى فبعث لمعلم الأرثوذكسية يؤكد عدم مبالاته بتصائحة وتعليمه ونصائحة وبإحتقار رسائله وحرومه .
طول أناة البابا كيرلس الكبير مع عناد نسطور
لكن محبة البابا لإصلاح نسطور حتى يتوقف عن نشره لأفكاره الخاطئة ويوقف البدعة فى مهدها فأرسل رسالة قال له فيها : " بما انك تجلس على كرسى رسولى فإحذر ما أنت فاعله وما تنادى به لأنه تجديف صريح على الرب يسوع بحسب نص الكتاب الذى يشهد " اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآب" (يو1: 18) وأنه عمانؤيل الَّذِي تَفْسِيرُهُ: الإِلهُ مَعَنَ (مت1:23) و (أش7: 14) بل شهادة رب المجد نفسه حين سئل «أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟» فَقَالَ يَسُوعُ:«أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ» ( مر14: 61- 62)
تلك الشهادة التى إعتبرها بولس الرسول أنها الإعتراف الحسن امام بيلاطس البنطى (1تى6: 13) كذلك ما قاله الملاك غبريال لأمنا العذراء والدة الإله " الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ الإِله" لو1 : 35) وهناك كثير من الشواهد تشهد أنه الكلمة المتجسد
بعث البابا كيرلس الإسكندرى بهذا الكلام فى رسالة إلى أخيه نسطور بطريرك القسطنطينية ، ولم يكتفى بذلك بل أرسل رسلاً مملوئيين من الروح القدس ليشرحوا وجهة نظر الكنيسة القبطية ويتدارسوا هذا الفكر فمكثوا شهراً كاملاً بالقسطنطينية وحاولوا مقابلته ولكنه رفض حتى أن يكلمهم فإضطروا إلى العودة .
جمع إقليمى بالأسكندرية ومجمع إقليمى آخر بروما
مجمع الأسكندرية الإقليمى
بعد أن باءت بالفشل كل محاولات البابا كيرلس الـ 24 لتصحيح مفهوم نسطور بطريرك القسطنطينية ، أمر البابا كيرلس عمود الدين بعقد مجمع محلى أو أقليمى من أساقفة الكرازة المرقسية للنظر فى أمر هذه البدعة وتلافى الخطر الذى يهدد الإيمان المسيحى .
تم عرض المشكلة على المجمع ، كما تم قراءة الرسائل المتبادلة بين كيرلس بابا الإسكندرية ونسطور بطريرك القسطنطينية ، وتناقشوا فى امر هذه البدعة وقام البابا كيرلس بشرح وإيضاح هذه البدعة وخطورتها ، أخيرا حكم المجمع على نسطور أنه هرطوقى لخروجه عن معتقد الآباء والأنبياء والرسل الشهداء وصدر القرارات التالية بالإجماع :
أولاً : إدانة نسطور على نشرة بدعة .
ثانياً التمسك بدستور الإيمان الذى سنه مجمع نيقية .
ثالثاً : إضافة مقدمة لقانون الإيمان تشمل العقيدة اإيمانية للكنيسة وتشمل تكريم والدة الإله وقد وضعها البابا كيرلس بنفسه ، وهى نعظمك يا ام النور " وما زالت الكنيسة القبطية وغيرها من الكنائس ترددها حتى يومنا هذا .
وبعث بقرار المجمع المقدس هذا إلى سفراء الكنيسة القبطية فى القسطنطينية (شأن جميع أساقفة الكراسى الرسولية الذين لهم سفراء فى كل دولة ) فذاع القرار فى ربوع مدينة القسطنطينية ، وفرح الشعب فى عاصمة الإمبراطورية البيزنطية لما ورد فيه ، وكتبوا للبابا السكندرى يعبرون له عن بهجتهم وشكرهم لهذه القرارات التى حسمت كفة المناقشات حول هذه البدعة لصالح الإيمان القويم .
نسطور يحاول ضم أسقف روما لبدعته
بدأ النزاع الفكرى بين بطريرك الإسكندرية وبطريرك القسطنطينية يشتعل ، ووجد نسطور فى موقف الدفاع فأراد أن يضم إليه اكبر عدد من الأساقفة ، وخاصة أسقف روما الذى يعتبر قائداً كبيراً فى الكنيسة القديمة طبقاً للترتيب المجمعى الأخير , فبعث إلى سلسلتين أسقف روما برسالة ودية ، ونحيط علم القراء أن الثقافة اليونانية كانت مستحوذة على العالم القديم حتى بعد أن سقطت اليونان وأصبحت ولاية من ولايات الإمبراطورية اليونانية كان الرومان يرسلون اولادهم لمدرسة الأسكندرية أو اثينا لتعلم الثقافة والخطابة وسائر العلوم الأخرى ثم إنقسمت الإمبراطورية إلى قسمين وأصبحت الإمبراطورية الشرقية لغتها وعاصمتها القسطنطينية لغتها اليونانية والغربية وعاصمتها روما لغتها اللاتينية.
وعندما أرسل نسطور رسالة إلى أسقف روما سلسلتين كان يعلم تماماً أن هذا الأسقف للغته اللاتينية يقف بعيداً عن المشاكل اللاهوتية التى يحدثها المتحدثين باللغة اليونانية بين الحين والآخر حيث تستعمل فيها كلمات يونانية تتكون من مقطعين أو أكثر ولها معانى ودلالات مختلفة كما أن لها معانى دقيقة وبها كلمات متشابهة تختلف فى المعنى ، ولكن الأمر مختلف مع كيرلس البطريرك المصرى ، حيث أن المصريين عندما حولوا حروف لغتهم الفرعونية أخذوا الحروف اليونانية فكان من السهل عليهم قراءة الثقافة اليونانية هذا غير وجود مدرسة الأسكندرية ومكتبتا الشهيرة .
ولما كان البابا كيرلس يجيد اللغة اليونانية خاف أن يقع اسقف روما عن غير قصد فى شباك ألفاظها الدقيقة فينخدع فى تعبيراتها خاصة أنه لا أثر لهذه الدقة اللغوية فى اللغة اللاتينية فأرسل إلى يفيقه رسالة يقول فيها : أنه كان يؤثر الصمت ويتحاشى المناقشات إلا انه يشعر بأن الضرورة موضوعة عليه ، لا سيما وأن الشعب القسطنطى الواعى إستجاب لرسالته الفصحية ، وأبدى فرحت ، وإستطرد يشرح له الفكر النسطورى ويكشف له غوامضها ومستوراتها ، وفى الختام تسائل ما الذى يجب أن نعمله ونحن أساقفة الكنيسة إزاء هذا الخطر المحدق أمام هذه البدعة النسطورية ، وإزاء تمسك الشعب القسطنطينى بالإيمان الأرثوذكسى ، ثم ماهى مسئوليتنا أمام السيد المسيح إذا تهاونا .
مجمع روما الإقليمى
وما أن وصلت رسالة البابا كيرلس لأسقف روما (1) وقرأ محتوياتها وعرف قرارات مجمع الإسكندرية الإقليمى حتى سارع هو الاخر لعقد مجمع محلى إقليمى فى روما حضره أساقفة كنيسة غرب الأمبراطورية الرومانية ، وبدأ المجمع بقراءة رسالة البابا كيرلس ورسالة نسطور التى وصلت لأسقف روما ، وناقشوا رسائل نسطور فى التى وردت إليه تباعاً وقارنوها بشروحات البابا الإسكندرى ، وبعد التداول والمناقشة أصدروا القرارات .
وكتب أسقف روما إلى اسقف مصر البابا كيرلس أخبره فيها عن إعجاب المجمع برسالتة التى وضعت الإيمان فى الطريق الصحيح ، وكشفت عن الخلافات الدقيقة اللغوية للمبتدع نسطور أسقف القسطنطينية ، وبهذا وضح الإيمان وضوحاً ملأ القلوب ثباتاً
قرار المجمع المحلى بروما :
*** إعطاء فرصة عشرة أيام لرجوع نسطور عن بدعته فإن لم ينثنى ويرجع عن بدعته خلالها يعد محروماً ومقطوعاً من جسم الكنيسة ، حيث أنه لم يرتضى الدواء الذى قدمه أطباء الكنيسة ممعناً فى الضلال ، وإختتم رسالته للبابا كيرلس المعلم الكبير بأنه وكل إليه أن يتصرف كما يرشده الروح القدس حيث قال : " إننا نثق إنك تتصرف بحكمتك وتضم ما لكرسينا من سلطة إلى سلطة كرسيك ، فتقدم لملاحقة هذا الخطر بقوة لا تهدأ "
************ ********* *****
المـــــراجع
(1) القديس كيرلس الكبير عمود الدين - كنيسة مارجرجس بإسبورتنج ص 20
المجمع المسكونى الثالث : مجمع أفسس المسكونى لمناقشة بدعة نسطور بطريرك القسطنطينية
دعوة الإمبراطور للمجمع وسفر البابا والأساقفة المصريين لأفسس
ظهرت مناقشات كثيرة فى القسطنطية وبلاد الإمبراطورية البيزنطية وإنقسمت ألاراء حول بدعة نسطور بطريرك القسطنطينية ، وكان شعب القسطنطينية بدأ يطالب برفع يد إضطهاد البطريرك نسطور الثقيلة التى كان ينوء تحتها لأنه يقاوم بدعته وبدأت هذه البدعة تقسم الإمبراطورية ووصلت إلى داخل القصر الإمبراطورى فإضطر الإمبراطور أن يضع حداً للتوتر الذى دب فى قلب الكنيسة فى ألإمبراطورية ، وإضطر أيضاً نسطور على الموافقة على عقد المجمع المسكونى معتمداً على مساندة الإمبراطور ومشيريه وخواصه له .
وأرسل الأمبراطور يدعوا الأساقفة بإنعقاد مجمع مقدس مسكونى وحدد ميعاد الإنعقاد فى عيد العنصرة ، وكتب نصاً للتحذير ضد من يتأخر أو يتخلف عن الحضور ، وإستعمل فى دعوته للبابا السكندرى اللهجة الشديدة وكرر إتهامه له بإثارة القلاقل والشقاق فى الكنيسة وفى القصر أيضاً ، كما تضمنت الرسالة عفوا وصفحاً عن أخطائه التى نسبت إليه .
وبدأ البابا الرحلة بعد أن تسلم رسالة الأمبراطور وصحب معه خمسين من أساقفته وأثنين من عمالقة الإيمان المسيحى فى مصر وهما الأنبا شنودة رئيس المتوحدين ، والأنبا بقطر رئيس الأديرة الباخومية .
وعندما وصل ركب البابا والأساقفة المصريين إلى جزيرة رودس ، أرسل رسالة إلى شعبه يطمئنهم عن الرحلة وعن الأحداث الأخيرة .
وعندما وصل البابا كيرلس إلى مدينة أفسس مع مرافقية من الأساقفة فرحب الأنبا ممنون أسقف أفسس بالبابا ومرافقية ووضع جميع كنائس الإبروشية تحت أمرهم فقاموا بالصلوات والخدمات هناك ، ولكنه لم يسمح لنسطور أو أى من أعوانه بممارسة الطقوس الدينية حيث أنه يحاكم بسبب بدعة إخترعها ، وقد ثاروا وأتهموه بالتحيز للبابا المصرى حيث أنه مصرى بالمولد ، ولكنه فى تقديرى مصرى أرثوذكسى قبطى أصيل لا شك فيه .
مائتان أسقف فى أفسس
ووصل عدد الأساقفة الذين وفدوا لمدينة أفسس لحضور مجمع أفسس المسكونى حوالى مائتان أسقف من مختلف بلاد الإمبراطورية البيزنطية ، ومن بينهم يوبيناليوس أسقف أورشليم ، وحضره أيضاً أكاكيوس الشيخ الوقور أسقف حلب الذى وصل سنة فى وقت حضوره لمجمع أفسس مائة سنة والذى سبق له ان حضر مجمع القسطنطينية الثانى .
وإختار الأساقفة جميعهم أن يكون مكان الإجتماع لمجمع أفسس هو كنيسة تحمل أسم والدة الإله ، فكان هذا رد مبدأى على بدعة نسطور بطريرك القسطنطينية ، وكانت هذه الكنيسة هى مقر أسقفية أفسس والكنيسة الرئيسية بها وقد فرح ممنون بهذا الإختيار .
لماذا تعطل المجمع 16 ستة عشر يوماً
كان من المقرر أن يفتتح جلسات المجمع المقدس يوم أحد العنصرة الموافق 13 بؤونة - 7 يونيو سنة 431 م ، ولكن ألهضاء السريان والرومان تأخروا عن الحضور وأنتظر الجميع 16 يوماً ، ووصل أعضاء الوفد الأنطاكى وهم عبارة عن أسقفين كانا يحملان خطابأ من يوحنا الأنطاكى بطريركهم يرجوهم فيه عدم إنتظاره ولا يمانع من إنعقاد جلسات المجمع قبل وصوله ، إلا أنه كان واضحاً عدم رغيته فى الحضور فى مجمع من المتوقع فيه أنه سيحكم على صديقه نسطور .
إنضمام الكنيسة الأفريقية والرومانية للقبطية فى التصويت
ثم وصل الوفد الرومانى حاملاً رسالة من الأسقف الرومانى سلستينوس أسقف روما تقول : " حالما تصلون إذهبوا لمقابلة كيرلس أخينا وشريكنا فى الخدمة الرسولية ، وأعملوا بموجب قراراته كلها ... " وكان وفد الكنيسة الرومانية مكون من أسقفين مندوبين عن مجمع أساقفة روما وهما أركاديوس وبروجاكتس ثم القس فيلبس مندوب شخصى عن سلستينوس بطريرك روما .
أما الكنائس الأفريقية فقد تغيب أعضاؤها لنشوب قتال حرب الفاندال فى ذلك الوقت وقد بعث أساقفة افريقيا برسالة إلى البابا كيرلس ليقوم بتمثيلهم فى المجمع لأنهم كانوا يعدونه لسان حال الكنيسة ألرثوذكسية الجامعة فى أفريقيا ( وكانوا قد سبقوا وإحتكموا إليه حينما وقع خلاف بينهم وبين زوسيموس اسقف روما اليابق الذى كان قد إدعى أنه يملك الحق فى إستئناف القضايا بدعوى أن قانون نيقية السادس يخوله هذا الحق فإلتجأوا إلى كيرلس حتى يرسل لهم القوانين الأصلية ، فأرسل لهم نسخة منها وعندما قرأوها إكتشفوا إدعاء أسقف روما ومن ثم حلت المشكلة التى بينهما ومن ذلك الوقت صاروا يكنون كل محبة ووقار للبابا السكندرى .
************ ********* *****
المـــــراجع
(1) القديس كيرلس الكبير عمود الدين - كنيسة مارجرجس بإسبورتنج ص 24 - 28
حداث المجمع المسكونى الثالث الشهير بمجمع أفسس وقراراته
نسطور بطريرك القسطنطينية يمتنع عن الحضور
وإنتظر الأساقفة أعضاء المجمع حضور نسطور الذى كان يوج فى أفسس وحضر قبل ميعاد إنعقادة وكان قد دخل المدينة فى إحتفال عظيم ، حيث كان الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى مؤيداً له فأحاطة بهالة من الرهبة ليشيع الرعب فى القلوب وكان قد بعث فى إستقباله أحد رجال بلاطه وهو النبيل إيريناوس والمندوب الإمبراطورى كاندينياس ، ومعهم مجموعة من الجن مدججين بالسلاح ،
فأناس الأساقفة المجتمعون ثلاثة منهم لدعوته ، فلم يلبى الدعوة ، ثم عادوا فأرسلوهم مرة ثانية ثم ثالثة ولكنه أصر على الرفض وتمادى فى شططه فأوعز إلى الجند المكلفين بحراسته من قبل الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى أن يهزأوا بالأساقفة أعضاء المجمع المكلفين بدعوته .
مجمع أفسس المسكونى يبدأ جلساته
وبدأت جلسات المجمع فى يوم 28 بؤونة الموافق 22 يونيو سنة 432 فلم يسع الأساقفة إزاء تعنت نسطور وإستهزاءة بالأساقفة وعدم إذعانه بالحضور إلا أن يفتتحوا المجمع برئاسة بابا الإسكندرية .
فى بداية الجلسة طالب أسقف أورشليم بقراءة دستور الإيمان الذى سنة مجمع نيقية والقسطنطينية بإعتبارهما اساس الإيمان ، والمرجع الأصلى للقضايا الإيمانية .
وبناء على هذا الطلب قام القس بطرس السكندرى الذى كلف من قبل المجلس ليرأس كتبة المجمع بقراءة دستور الإيمان ، وبعد الإنتهاء قرأ رسالة البابا كيرلس إلى نسطور والحروم الأثنى عشر ، وقرأ ايضاً ردود نسطور على رسائل البابا كيرلس والتى تتضمن بدعته وخروجه عن الإيمان .
وظلت الجلسة مفتوحة طول اليوم ، ولم يقم احد للدفاع عن الفكر الهرطوقى لنسطور إذ سبق أن حكم ضده حكمان من مجمعين إقليمين (محليين) أحدهما بالأسكندرية والأخر كان فى روما ، وكان مجمع الأسكندرية هو الأكثر تأثيراً لأنه ناقش موضوع بدعة نسطور من جميع الجوانب ، وكان من نتائج هذا المجمع أن أعز أصدقاء نسطور قد أدانه ومن بينهم أكاكيوس أسقف ميلين ، وثيئودوتس أسقف أنقرة .
وكانت الجماهير محتشدة حول الكنيسة التى كانت تقام فيها جلسات المجمع وكانوا يترقبون قرار المجمع لمحبتهم للسيدة العذراء ام المخلص ، وما أن صدر القرار بقطع نسطور بطيريرك القسطنطينية حتى تعالت هتافاتهم فى فرح مرنمين ومسبحين وطافوا فى الشوارع مهنئين بعضهم بعضاً بسقوط أعداء العذراء وتمجيد أم المخلص ، وإحتفوا بالأساقفة الأبطال الذين أصدروا القرار بالرغم من تحيز الأمبراطور ثيودوسيوس الثانى لنسطور وسار الشعب أمام الساقفة مرنمين فى شوارع المدينة متهللين حتى وصلوا إلى مقر إقامة نسطور ، لتسليمه القرار.
أما البابا كيرلس فلم يتوانى فى إخبار شعبه فى مصر بالأخبار أولاً بأول ولم يكد ينتهى المجمع حتى ذهب إلى مقر إقامته وسارع بالكتابة إلى أولاده بمصر يطمنهم أن كيف أن الرب تمجد وحكم على نسطور بالإدانة وتحريم بدعته !!
خداع نسطور وتزويره قرارات المجمع
وبينما كان الشعب الأفسسى يجول فى شوارعها فرحاً بالحكم على نسطور ، كان نسطور يخطط فى الظلام لخداع الإمبراطور كما كان مجمع السنهدريم اليهودى يخطط للقبض على السيد المسيح ، فراح يتآمر مع الكونت كاندينياس المندوب الإمبراطورى وإتفقوا على خداع الإمبراطور وإرسال قرارات مزورة غير حقيقية يحملها إيريناوس أحد رجال البلاط ، مع أوامر مشددة لقوات حفظ النظام بالعاصمة القسطنطينية بالعمل على عدم وصول القرارات الرسمية لمجمع أفسس الحقيقية ، وصرت الأوامر فى أفسس للجند بحراسة أبواب المدينة لمنع رسل المجمع او اساقفته بالخروج من المدينة والإتصال بالأمبراطور ، وحاصروا الأماكن التى يسكنها الأساقفة حتى كاد الجند أن يمنعوا عنهم الطعام .
وبالرغم من معاملة الجند القاسية للأساقفة فكان البابا كيرلس يشجعهم فإزدادوا صلابة وثباتاً وتمسكاً بقرارات المجمع الأفسسى ، وفى نفس الوقت إستطاع البابا كيرلس أن يرسل رسالتين رعويتين لشعب القسطنطينية الذى إنزعج من هرطقة نسطور بطريرك القسطنطينية فطمأن قلوبهم ، أما فى أفسس فقد إعتلى منبر كنيسة أم الإله فى أفسس وخاطب الشعب الأفسسى الغيور على الإيمان مفسراً لهم تجسد الكلمة وإتحاد اللاهوت بالناسوت إتحاداً تاماً بغير إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير ، وعن السيدة العذراء مريم أمه والعذراء فى آن واحد .
ولما رأى المندوب الإمبراطورى أن التيار الذى يقوده البابا المصرى بدأ يقوى ضد نسطور فإتفق مع نسطور على رفع شكوى للأمبراطور ضد الساقفة المصريين ، وضد ممنون أسقف أفسس بإعتباره مصرى المولد وفتح كنائس أفسس للأساقفة المصريين ومن هم ضد نسطور وأغلقها ضد النساطرة .
************ ********* *****
مجمع غير قانونى يحرم البابا السكندرى وممنون أسقف أفسس
وبعد أن فض المجمع جلساته وأصدر قراراته وصل البطريرك الأنطاكى يوحنا وبرفقته إثنان وثلاثون أسقفأ ، فأسرع المندوب الإمبراطورى لملاقاته حتى لا يتصل بأباء المجمع وأمر الجنود بحراسة المكان المعد لإضافته ، ومنع أى أسقف من الأتصال به ، وحاول اساقفة المجمع الإتصال به ولكنهم أخفقوا ، واخيراً أجتمع رأيهم على أن يقفوا بباب داره ، وظل الآباء الأساقفة واقفين بالباب ساعتين طالبين مقابلته إلا أنه رفض مقابلتهم وأمتنع بإرادته ، وكل ما فعله انه وكل كتبته ليقابلوهم ، فعز على ألاباء الساقفة ذلك كثيراً وإضطروا إلى العودة حيث عقد المجمع جلسة عاجلة سجلوا فيها هذه الأحداث .
مجمع غير قانونى يحرم البابا السكندرى وممنون أسقف أفسس
وتمادى يوحنا الأنطاكى فى عنادة وإنضم إلى نسطور واساقفته وعقد مجمع منفصلاً حضره 43 أسقفاً أى أنه هو وأساقفته 33 أسقفاً + أساقفة نسطور العشرة الباقيين ، تداول فيه قرارات المجمع المسكونى وأتهم البابا كيرلس وممنون أسقف أفسس بأنه تعجلا فتح المجمع ،بالرغم من أنه أرسل رسولا إلى المجمع يصرح فيه أن لا ينتظروه وأنه سيتأخر ، ورفض أيضاً الحروم الإثنى عشر ، واصدر هذا المجمع الغير قانونى خلع وحرم كل من كيرلس وممنون عن كراسيهما .
ثورة اهل أفسس
وكان خلع ممنون أسقف أفسس هو الخطأ المميت الذى وقع فيه الحزب النسطورى الذى إنضم إليه يوحنا النطاكى وأساقفته ، فقد ثار أهل أفسس ثورة عارمه لمحبتهم لسقفهم ولم يقبلوا اسقفاً غيره ، ووردت أخبار ثورتهم غلى القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية وكان ألإمبراطور ثيودوسيوس الثانى مؤيداً لنسطور وهرطقته ومسانداً لقرارات يوحنا الأنطاكى صديقة ، لذلك اصدر أمراً لـ كندينياس المندوب الإمبراطورى بضرب الشعب بالعصى وتعذيب الذين لا ينصاعون للأوامر حتى يخضعوا ، وقد ظنوا أن الإضطهاد يرعبهم ، ولكن الشعب الصامد إزداد صلابة وثباتاً ، وخشى يوحنا الأنطاكى من تفاقم الموقف ولم يجرؤ على فرض أسقف دخيل ، كما لم يجرؤ أيضاً على منع الأساقفة الشرعيين من إقامة الشعائر الدينية .
إلتئام مجمع أفسس المسكونى وحرمان يوحنا واساقفته
طالب البابا كيرلس وممنون أسقف أفسس مجمع أفسس الشرعى ان يجتمع ويفحص أحقية قرار الخلع الذى اصدره يوحنا أسقف أنطاكية ضدهما ، ونزولاً على رغبتهما إلتأم المجمع قبل إنفضاضه خصيصاً فى نفس المكان ، وأرسلوا ثلاثة اساقفة لإستدعاء يوحنا ألنطاكى لكنه رفض تلبة الدعوة ، فأرسلوا له ثانية ، ومرة ثالثة تنفيذاً لوصية الإنجيل ، ولكنه رفض كالعادة وأصر الرفض .
وبعد أن ناقش المجمع ما فعله يوحنا اسقف أنطاكية قرر أنه لا بد أن يؤاخذ على خطأين :
1 - أن يوحنا اسقف أنطاكية لا يملك إصدار حكم على أسقف يراس مجمعاً
2 - قرر مجمع أفسس أن يوحنا إنفصل عن مجمع أفسس وكون له حزباً ذو صفة خاصة ، لهذا لا يملك قوة المجمع المسكونى العالمى لهذا أعلن مجمع أفسس أن قرار خلع الأسقفين باطل بطلاناً مطلقاً .
وفى اليوم التالى إجتمع مجمع أفسس وأرسل رسلاً بإستدعاء يوحنا اسقف أنطاكية ليبلغه قراراته الأخيرة ولكنه اصر على عدم الحضور ، فإضطر مجمع افسس المسكونى لإصدار حكماً بقطعه هو وأنصاره باسمائهم ، علاوة على تأكيد بطلان قراراتهم ضد كيرلس وممنون .
القبض على البابا كيرلس وممنون وإيداعهما السجن
وكان مجمع أفسس المسكونى يرسل القرارات أولاً بأول إلى الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى إلا أن المندوب الإمبراطورى قد أصدر أمراً لحراس الطرق ومداخل المدن ألا يدع أحداً يتصل بالأمبراطور ، وعلى ذلك فلم يتسلم الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى سوى الرسائل التى زيف فيها المندوب الإمبراطورى الحقائق ، وأوهمه فيها أن نسطور ويوحنا الأنطاكى ومجمعهما المزيف قد خلعا البابا كيرلس وممنون أسقف أفسس .
وبسرعة وبدون تروى لإستطلاع الأمور أرسل الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى إلى أفسس الأمير يوحنا أحد شرفاء قصره يحمل المر الإمبراطورى بالتصديق على خلع البابا كيرلس وممنون أسقف أفسس .
وحين إستلم مندوب الأمبراطور أمر الخلع أمر بالقبض على البطلين الأرثوذكسيين البابا كيرلس وممنون أسقف أفسس ووضعوا كلاً منهما فى حبساً منفرداً ، وشددوا عليهما الحراسة ، ولتهدئة أهل أفسس أطلقوا الشائعات والإفتراءات الباطلة وكان بطل ترويجها يوحنا الأنطاكى وأساقفته ، حتى بلغت حد التصديق ، حتى أنه بلغ قوة هذه الشائعات وحبكها أنها عندما وصلت إلى بعض أصدقاء البابا كيرلس صدقوها وكان من بينهم كايسيذوروس الفرمى (من بلدة الفرما على حدود مصر) فكتب رسالة يعاتبه فيها على ما يسمعه من شائعات كثيرة لا تليق بمعلم كبير مثله .
خطاب من آباء مجمع افسس المسكونى لكهنة القسطنطينية وشعبها
إستاء آباء مجمع افسس المسكونى من هذا التصرف فكتبوا رسالة إلى كهنة القسطنطينية وشعبها ، سجلوا فيه المعاملة القاسية التى عوملوا بها من مندوب الإمبراطور ، وتحيز رجال البلاط لنسطور تحيزاً ملموساً ، وبالرغم من توقيع جميع آباء مجمع افسس المسكونى على قرار حرمات وخلع نسطور إلا أن يوحنا ألنطاكى لم يعبأ بالقرار ، بل واصدر حكماً من مجمعه المزيف بخلع البابا كيرلس وممنون أسقف أفسس فى عناد وتصلف ليقابل هذا الحرم بالحرم الذى أصدره المجمع ضد نسطور صديقة ، وقد اوضح مجمع افسس فى رسالته أن يوحنا الأنطاكى بإنفصالة وتحزبه عن آباء الكنيسة فى المجمع قد أضاع السلطة فى ان يصدر حكماً لأنه تحزب وتحيز ، فإن شاء الإمبراطور أن يطلع على حقيقة ما حدث وما دار بين الطرفين عليه أن يستدعيهم لمقابلته شخصياً ، أما لو شاء هو أن نموت فلن نتنازل عن إيماننا ، فسنرضى بالموت عن أن نخون سيدنا المسيح له المجد ، وقد قام بالتوقيع على هذه الرسالة الأسقف الأورشليمى الذى أصبح رئيس المجمع بعد أن قبض على البابا كيرلس وأودع السجن .
عكاز ينقل الحقيقة للأمبراطور ثيودوسيوس الثانى
وبينما كان البابا كيرلس البطريرك القبطى وممنون أسقف القسطنطينية فى السجن ، إستطاع الإكليروس القسطنطينى أن يتصلوا بالأمبراطور ثيودوسيوس الثانى ويطلعوه على الرسالة التى وردت إليهم من مجمع أفسس المسكونى ، فإحتار الأمبراطور ثيودوسيوس الثانى فأرسل إلى البابا كيرلس وهو فى السجن ليكتب رسالة إلى كهنة القسطنطينية وشعبها .
فكتب البابا الرسالة ووضح التعتيم الذى قام به مندوب الأمبراطور والخدعة التى خدعوا بها الإمبراطور ، وما فعله الأمير يوحنا الذى إستدرج يوحنا الأنطاكى والآباء الأساقفة التابعين له ، وقرار مجمع أفسس الذى أعلنوه بأنهم لم يقبلوا إقتراحه ما لم يسحب يوحنا الأنطاكى كل ما قرره ضد الآباء الأرثوذوكسيين .
ولم يرفض مجمع أفسس إقتراح الأمير : بأن يجهر كل من الفريقيين بإيمانه كتابتاً ، فإستجاب المجمع لهذا الإقتراح وكتب له مضمون الإيمان الأرثوذكسى وذيل رسالته تلك بقوله .. أن هذا هو إيمان الكنيسة الذى إصطبغ الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى بمعموديتها .. كما علقوا على سوء المعاملة التى قوبل بها الأساقفة بأن قال : " إننا لم نحضر إلى أفسس كمتهمين ولكننا جئنا لإقرار الإيمان الحق "
وكتب البابا كيرلس خطاباً آخر إلى سفرائه الثلاثة بالقسطنطينية ..
عكاز فى يد شحاذ ينقل الحقيقة للأمبراطور ثيودوسيوس الثانى
أرسل آباء مجمع أفسس رسائل إلى الإمبراطور ولكنها لم تصل إليه للحصار المفروض عليهم وعلى الطرق ومداخل المدينة حيث صدرت الأوامر من المندوب الأمبراطورى إلى الحراس والجنود حول أبواب المدن وبالطرقات بعدم إتصال أحدهم أو تسليم رسالة من مجمع افسس إلى الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى ولكن تفتقت أذهانهم إلى حيلة غريبة لكى يضمنوا بها وصول رسالتهم إلى الإمبراطور فاودعوها فى قصبة مفرغة وأعطوها إلى راهباً أرثوذكسياً فاضلاً لتوصيلها للإمبراطور بعد أن يتنكر فى زى شحاذ غريب ، وما كان أقرب الرهبان والنساك فى ذلك العصر إلى الفقراء ، فخرج الجندى المجهول الذى لم يذكر المؤرخون إسمه والذى ضحى بحياته فى إنكار للذات من أجل إيصال الحقيقة ، وكانت العصا المفرغة التى كان يتوكأ عليها طيلة الطريق تحتوى على ثلاثة رسائل من المجمع ورسالتى البابا كيرلس .
يخرج من البرية فى موكب ملائكى
وكان بالقرب من القسطنطينية راهباً ناسكاً متعبداً فى مغارة إسمه دلماتيوس لم يغادرها لمدة 48 سنة ، وكان كثيراً ما يزورة الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى فى وحدته ويتبرك منه ، ولما وصلت هذا الراهب أخبار مجمع افسس وسجن الأنبا كيرلس والأسقف ممنون وهرطقة نسطور ، شعر أن من واجبه الخروج من كهفه ويترك عزلته ليشهد للحق ، فتقلد بالأنبا انطونيوس اب الرهبان الذى ذهب ليقاوم بدعة آريوس .
فسار الراهب الناسك دلماتيوس فى شجاعة قاصداً القصر الإمبراطورى وما إن سمع شعب القسطنطينية أن الراهب دلماتيوس قادما لمدينتهم حتى إلتفوا حوله وتزاحموا وألفوا موكباً ملائكياً رائعاً ينشدون الألحان ويترنمون بالمزامير إلى أن وصلوا إلى القصر ، وهناك إنفرد عن الجموع وتقدم ليجتمع مع الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى ، ويشاء الترتيب الإلهى ان يكون الراهب حامل الرسائل المخبأة فى عكازه قد وصل .
وهنا وقف الأمبراطور على حقيقة الأمر وكان قد تسلم رسالة فى نفس الوقت من يوحنا الأنطاكى فى غاية الرقة ليستميل بها الإمبراطور وذكر بها أن المصرى المتكبر أصل البلاء ، وتناقش الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى مع الراهب دلماتيوس فى حل سريع لهذه المشكلة فأشار عليه المتوحد دلماتيوس أن يحضر ثمانية مندوبين عن كل من الفريقين المتخاصمين إلى القسطنطينية ويمثلون امام الإمبراطور .
ولاقى الإقتراح قبولاً وإستحساناً لدى الإمبراطور لثقته الكبيرة فى الروح الإلهية الذى كان يتكلم بها دلماتيوس المتوحد ، فأرسل على الفور رسلاً إلى مدينة أفسس لتنفيذ إقتراح دلماتيوس .
ابو ماضى- مراقب عام المنتدى
- عدد المساهمات : 440
تاريخ التسجيل : 23/05/2010
العمر : 51
مواضيع مماثلة
» المجامع والهرطفات من القرن الرابع الى الآن 2
» المجامع والهرطفات من القرن الرابع الى الآن 3
» المجامع والهرطفات من القرن الرابع الى الآن 5
» المجامع والهرطفات من القرن الرابع الى الآن 6
» المجامع والهرطفات من القرن الرابع الى الآن4
» المجامع والهرطفات من القرن الرابع الى الآن 3
» المجامع والهرطفات من القرن الرابع الى الآن 5
» المجامع والهرطفات من القرن الرابع الى الآن 6
» المجامع والهرطفات من القرن الرابع الى الآن4
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى