ألم يكن ممكنا أن الله يرحم الانسان ويخلصه ويفديه بكلمة واحدة من فيه

إذا فعل الله ذلك فإنه يتناقض مع ذاته من جهة عدالته المطلقة. فالله فى كتابه المقدس، فى الوقت الذى يعلن فيه صراحه عن رحمته، يقرر مبدأ العقوبة قصاصا عن الخطية. يقول بلسان موسى النبى (الرب الله رحيم ورؤوف... لكنه لا يبرىء إبراء. مفتقد إثم الآباء فى الأبناء، وفى أبناء الأبناء فى الجيل الثالث والرابع) خروج 34: 6-7"... ففى الوقت الذى يقول فيه الله إنه رحيم ورؤوف، يقول "لكنه لن يبرأ إبراء "... فهذا طريق، وذاك طريق آخر.
وحيث أنه من البديهي أن تتناسب العقوبة مع الخطا، وحيث أن الله كلى القداسة وكامل، وفى نفس الوقت غير محدود، فيترتب على ذلك أن الاساءة إلى الله تستوجب عقوبة غير محدودة .
هذأ أمر بديهى ويجب أين نسلم به... فالأساءة إلى شخص بسيط ليست كالاساءة إلى شخص عظيم ... لذا لا نتملكنا الدهشة حينما نسمع كلمات الله لآدم قبل أن يخطىء محذرا، أنه يوم يأكل من الشجرة التى نهاه عنها فموتا يموت (تكوين 17:2)... رب إنسان يقول باستهانة (ايه يعنى لما واحد كل من الشجرة)... لكن هذا يتمشى مع طبيعة الله وصفاته الكاملة...
لاجل هذا، وعلى ضوء هذا الكلام، لا نعجب عندما نسمع المسبح يقول "من قال لاخيه يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم "متى 22:5"... وهنا يقول إنسان آخر باستهانة (إيه يعنى واحد يقول لاخيه يا أحمق، يودوه نار جهنم)... لكن هذا ما قاله المسيح... والسماء والأرض تزولان ولكن كلمة من كلامه، تزول حتى يكون الكل (متى 35:24)...
ولا تتملكنا الدهشة إذا قرأنا ليوحنا فى سفر الرؤيا ما دونه بناء عن أمر الجالس على العرش ((من يغلب يرث كل شىء وأكون له إلها وهو يكون لى ابنا. وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجمع الكذبة، فنصيبهم فى البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذى هو الموت الثانى " الأبدى" (رؤيا 21 : 7-... وحينما يقرأ أنسان هذا الكلام يقول (إيه يعنى الكذابين؟ ! هل معقول يبقى نصيبهم مع القاتلين والزناة والسحرة وعبدة الاوثان... هل هذا معقول؟ ) لكن هذا هو كلام الله نفسه... الحذر كل الحذر من الاستهانة ببعض الخطايا التى تبدو فى نظر بعض الناس أنها تافهة
إن هذه العقوبات التى وضعت قصاصا لمن قال يا أحمق، ولكل كذاب، إنما نتمشى مع طبيعة الله الكامل القدوس الذى لا يمكن أن يساكنه الأشرار والخطاة. فأيوب البار يقول (إلى ملأئكته ينسب حماقة ... من هو الانسان حتى يزكو أو مولود المرأة حتى يتبرر. هوذا قديسوه، يأتمنهم، والسموات غير طاهرة بعينيه ) "أيوب 18:4، 15: 14-15"...
 لنعلم يا أحبائى أن رحمة الله شىء، وعدالته شىء آخر. فليس للرحمة أن تطغى على العدل أو تبطل وجوده. فالقاضى الذى يبرىء ابنه أو صديقه، هو ليس قاضيا عادلا منصفا. بل إن ما يحدث هو أن القاضى فى أمثال هذه الحالات (محاكمة الأبن أو الصديق ) يتنحى عن نظر القضية، حتى نأخذ العدالة مجراها... فهل الله أقل عدالة من البشر