الصليب والمصلوب
صفحة 1 من اصل 1
الصليب والمصلوب
الصليب والمصلوب
1- لمحة تاريخية :
& nbsp; كلمة الصليب في اليونانيّة ستاوروس (stauros) وهو آلة إعدام وتعذيب قاسية جدًا وتطبّق علي مقترفي الآثام الخطيرة، وقد إستخدمها الفينيقيّون، كما يذكر المؤرّخ اليونانيّ هيرودوت، ويري كثيرون أنَّ الفُرس هم أوَّل من إخترعها وطبّقها في القرنَين السادس والخامس قبل الميلاد، واستُخدمت في مصر في القرن الخامس قبل الميلاد، واستخدمها بعد ذلك الإسكندر الأكبر وأهل قرطاجنة بشمال أفريقيا وأخذها عنهم الرومان واستخدموها بكثرة. ولأنَّ هذه العقوبة كانت قاسية جدًا ورهيبة فلم تُطبَّق قطّ علي الأحرار سواء الإغريق أو الرومان وإنما طُبِّقَت علي العبيد والثوّار غير الرومانيّين، ونظرًا لأنَّها أقسي العقوبات وأكثرها ردعًا وإرهابًا فقد طُبِّقَتْ بكثرة علي الثوّار المطالبين باستقلال بلادهم عن الدولة الرومانيّة، ويذكر المؤرّخ اليهودي يوسيفوس المعاصر لتلاميذ المسيح (36-100م) أنَّها طُبِّقَتْ مرّات كثيرة جدًا علي ثوّار اليهوديّة
وكان هناك ثلاثة أنواع من الصلبان، نوع علي شكل حرف T (Crux Commissa) وآخر علي شكل حرف X والمسمّي بصليب القديس إندراوس (Crux decussata) والثالث يتكوّن من عارضتَين متقاطعتَين + (Thecrux immissa) وهذا النوع هو الذي صُلِبَ عليه السيّد المسيح وهذا ما يؤكّده لنا موقع العنوان الذي سُمِّر علي الصليب أعلي رأس السيّد المسيح (يو19/19)، وهذا ما يؤكّده التقليد أيضًا بصورةٍ قاطعةٍ
2 - الجلد وطريق الصليب :
بعد الحكم بإدانة متهم والحكم عليه بالإعدام صلبًاً كان لابد أنء يُجْلَد حسب عادة الرومان حتي يسيل الدم من معظم أجزاء جسده، وعملية الجلد هذه كانت تُسْرِع بالموت وتُقلّل من سكراته. وكان عليه بعد ذلك أنْ يحمل خشبة الصليب الأفقيّة التي ستُسَمَّر عليها يداه إلي مكان الصلب وهو عادة خارج المدينة كما كان عليه أنْ يمرّ بأكبر عدد ممكن من شوارع المدينة وحواريها وطرقها الأكثر ازدحامًا ليراه أكبر عدد ممكن من الناس، كما كان يُصْلَب عادةً في مكان مرتفع وعام ليراه العامة من مسافات كافية، حتي يكون عبرة لكل من تسوّل له نفسه مخالفة القانون الروماني أو الثورة علي الإمبراطوريّة المستعمرة، وكان يتقدّم أمامه أحد الضبّاط أو الجنود يحمل لوحة مكتوب عليها التهمة الموجّهَة ضدَّه والتي تُلصَق بعد الصلب علي الصليب ليراها الجميع، وعندما كان يصل إلي ساحة الإعدام يُجَرَّد المصلوب من ملابسه وتُقَسَّم علي الجنود القائمين بعملية الصلب وتُسْتَر عَوْرَتُه فقط بقطعة من القماش ثم يوضع علي الأرض وتُسَمِّر يديه بقسوة وفظاعة بالمسامير الكبيرة والسميكة أو تُربَط بالحبال في العارضة الأفقيّة، التي كان يحملها، ثم تُرْفَع العارضة والمصلوب لتُثَبِّت بالخشبة القائمة والتي كانت مثبتة في الأرض وفي منتصفها كتلة خشبية بارزة صغيرة تُسَمَّي السرج ليستقر عليها ردفَي المصلوب ولتحفظ وزن الجسم حتى لا تُمزِّق المسامير يديه، وتُثَبِّتْ قدمَيه بمسمارٍ ضخم من خلال مشطي القدم معًا أو تُسَمِّر كل قدمٍ منفصلة(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أكتشف سنه 1968م في جيف آت ها – مفتار بأورشليم بقايا عظام من القرن الأول الميلادي في معظمه (كان تجمع فيه عظام الموتى) تعطينا تفصيلات عن طرق الصلب زمن المسيح، تضم عظمتين لعقب قدم شخص صلب في القرن الأول ما يزالا مثبتين معاً بمسمار حديد وأخد بطول 14سم.the International St. B. Ency. VOL. 1, P, 829.
ــــــــــ
وبعد أنْ يُعَلَّق المصلوب علي الصليب كان يُعاني آلامًا رهيبةً قاسيةً من آثار المسامير والجروح التي تأخذ في التورم والتلف إلي جانب التعرّض للحشرات المختلفة والطيور الجارحة والحيوانات المتوحّشة وغيرها، وكذلك من التعرّض للطقس الذي يكون أحيانًا شديد الحرارة وأحيانًا أخري شديد البرودة، ويُترَك وحيدًا غير قادر علي أي شئ بالمرة بما في ذلك خدمة الوظائف الجسديّة، ومما يُزيد من آلامه التعرّض للإهانة والسخرية من الذين كانوا يشاهدون عملية الصلب. وكانت الآلام الجسديّة والنفسيّة والعقليّة التي يتضمنّها هذا الموت الرهيب البطيء لا يمكن تخيّلها ولا تُوصف والتي قد يُصاب المصلوب من جرّائها بالجنون أو الصرع أو التشنّج. ويستمر المصلوب في هذا العذاب القاسي الرهيب والذي كان يعانيه ويستمر فيه علي الصليب مدّة من 36 ساعة إلي أربعة أيّام وقد إستمر بعض المصلوبين أسبوعًا. وماتوا مثل المجانين. وكانت عملية الجلد التي تتم قبل الصلب ودرجة كثافتها إلي جانب قوّة بنية الجسم والطريقة التي يُصْلَب بها المصلوب سواء كانت بتسمير يديه ورجليه أو بربطهم بالحبال هي التي تحدّد طول المدة التي يقضيها المصلوب علي الصليب. وبعد موته كان يُتْرَك جسده ليتعفَّن علي الصليب إنْ لم يُطالب أحد بدفنه.
3 - الصلب والناموس اليهودي :
لم تُوجَد عقوبة الصلب في الناموس وإنما طبّقها عليهم الرومان بكثرة، حتي أصبحت معتادة عندهم. وكان الناموس ينصّ علي قتل المجدّفين رجمًا بالحجارة ثم يُعَلَّقون بعد ذلك علي شجرة كعقوبة إضافيّة دلالة علي أنَّهم كانوا مجدِّفين علي الله ومتّهمين من قِبَلَه. وكان لابد أنْ تُدْفَن الجثة في نفس اليوم حتي لا تُدَنِّس الأرض لأنَّ المُعَلَّق كان يُعْتَبَر ملعونًا، " وَإِذَا كَانَ عَلى إِنْسَانٍ خَطِيَّةٌ حَقُّهَا المَوْتُ فَقُتِل وَعَلقْتَهُ عَلى خَشَبَةٍ فَلا تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلى الخَشَبَةِ بَل تَدْفِنُهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لأَنَّ المُعَلقَ مَلعُونٌ مِنَ اللهِ. فَلا تُنَجِّسْ أَرْضَكَ التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيباً»." (تث21/22-23) .
4 - في الطريق إلى الجلجثة (الجمجمة) :
بعد الحكم علي الرب يسوع المسيح بالصلب وجلده خرج من دار الولاية حاملاً صليبه الذي سيُصْلَب عليه وسار به في شوارع أورشليم وطرقها الأكثر ازدحامًا وسط حرّاسه من أربعة جنود وقائد مائة ومحاطًا بجماهير غفيرة لا حصر لها، ونظرًا لأنَّه كان قد قضى أسبوعًا مثيرًا في أورشليم إنتهي بمعاناته في البستان وهروب تلاميذه عند القبض عليه وظلَّ يُحاكم طوال الليل من الساعة الواحدة ليلاً وحتى التاسعة صباحًا ( بتوقيتنا الحالي ) أمام رؤساء الكهنة والسنهدرين وأمام بيلاطس البنطي وهيرودس وقد عاني أثناء هذه المحاكمات كل صنوف الإهانة والسخرية من سبٍّ ولطمٍ وركلٍ وضربٍ وبصقٍ علي وجهه وجلدٍ، وكان ظهره متورِّمًا ومتهرئًا وممزقًا من شدّة وقسوة سياط الجلادين المركب بها قطع من الرصاص أو العظم انغرست في لحمه بقسوة وعنف إلي جانب آلام إكليل الشوك الذي انغرست أشواكه في رأس ه فسببت له آلاماً شديدة وصارت تنزف بغزارة، وكما كان جسده ينزف كان قلبه يُدْمِى بسبب ما لاقاه من نكران وجحود، فنال منه التعب والإجهاد الشديد ولم يقوَ علي حمل الصليب فسقط به علي الأرض عدَّة مرات، كما يؤكِّد التقليد، فسَخَّر الجند الرومان أحد المارة، وهو سمعان القيراوني، ليحمل معه الصليب " وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ وَجَدُوا إِنْسَاناً قَيْرَوَانِيّاً اسْمُهُ سِمْعَانُ فَسَخَّرُوهُ لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ." (مت27/32) ، " أَمْسَكُوا سِمْعَانَ رَجُلاً قَيْرَوَانِيّاً كَانَ آتِياً مِنَ الْحَقْلِ وَوَضَعُوا عَلَيْهِ الصَّلِيبَ لِيَحْمِلَهُ خَلْفَ يَسُوعَ." (لو23/26) .
كان سمعان هذا من مدينة القيروان بشمال أفريقيا والتي كان بها مستعمرة تضمّ عددًا كبيرًا من اليهود وقد جاء ليحضر الفصح في أورشليم ولزيارة الهيكل ولما سخَّره الجنود الرومان ليحمل الصليب خلف السيّد لم يكن يجرؤ أنْ يرفض طلبهم هذا فحمل الصليب مُسَخَّرًا ولكن شئ عجيب قد حدث، لا ندركه، جعل سمعان يري ما لم يره الجند ويجد في شخص السيد المسيح المتجِّه إلي ساحة الإعدام ما
جعله يُؤمن به ويُصبح هو وأولاده وزوجته من أتباعه بل ومن المتقدّمين في الكنيسة، والمعروفين في كنيسة رومية بالذات، فيقول عنه القدّيس مرقس في إ نجيله الذي دوّنَه في رومية " سِمْعَانُ الْقَيْرَوَانِيُّ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ " (مر15/21)، ويكتب القدّيس بولس في رسالته إلى رومية مسلمًا علي روفس هذا ابن سمعان وعلي أمّه زوجة سمعان التي يعتبرها أمّه، "سَلِّمُوا عَلَى رُوفُسَ الْمُخْتَارِ فِي ال رَّبِّ وَعَلَى أُمِّهِ أُمِّي." (رو16/13). فقد استطاع السيّد. المحكوم عليه بالإعدام صلبًا، وهو حامل صليب العار والهوان أنْ يحوِّل سمعان هذا إلي أحد اتباعه المؤمنين به. فهل يمكن أنْ يكون آخر غير المسيح ؟؟!! كلا. لأنَّه لا يستطيع أنْ يفعل ذلك سوي المسيح وحده.
وفي الطريق إلي الجلجثة، " وَتَبِعَهُ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ وَالنِّسَاءِ اللَّوَاتِي كُنَّ يَلْطِمْنَ أَيْضاً وَيَنُحْنَ عَلَيْهِ." (لو23/27)، وكان ضمن هؤلاء كثيرون من الذين اِتّبعوه عندما دخل أورشليم ظافرًا منتصرًا وكثيرون من أتباعه غير المعروفين لرؤساء الكهنة وبعض اتباعه الذين كانوا يتابعونه من بعيد، كما فعل بطرس وقت المحاكمة (< SPAN lang="AR-SA" style="FONT-SIZE: 14pt;COLOR: blue;FONT-FAMILY: 'WinSoft Naskh';">لو22/54)، وكثيرات من النسوة اللواتي كن ينحن عليه، وبرغم ما كان يقاسيه من آلام جعلته يسقط تحت حمل الصليب إلا أنَّه أشفق عليهن وعلي المصير القادم علي أورشليم واتجه إليهن، محذرًا من الدينونة الآتية عليها بسبب رفضها للمسيح وتسليمها له ليموت ميته العار والهوان ، وقال " يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ لأَنَّهُ هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُونَ فِيهَا: طُوبَى لِلْعَوَاقِرِ وَالْبُطُونِ الَّتِي لَمْ تَلِدْ وَالثُّدِيِّ الَّتِي لَمْ تُرْضِعْ. حِينَئِذٍ يَبْتَدِئُونَ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا وَلِلآكَامِ: غَطِّينَا. لأَنَّهُ إِنْ كَانُوا بِالْعُودِ الرَّطْبِ يَفْ عَلُونَ هَذَا فَمَاذَا يَكُونُ بِالْيَابِسِ؟». " (لو23/28-31).
وهو هنا يشفق ويتنبّأ ويحذِّر برغم الآلام الرهيبة التي كان يُعانيها والموت الرهيب الذي كان ذاهبًا إليه، فقد أشفق عليهُنَّ من المصير الأتي علي المدينة ومن
فيها وتنبَّأ بالحصار والدمار والمصير المظلم الذي ستواجهه والويلات التي سيعانيها سكانها لدرجة أنَّ النساء اللواتي لم يحبلن ولم ينجبن يكنَّ محظوظات في تلك الأيام التي ستكون فيها قسوة الحصار والويلات التي يُعانيها الشعب بسببه وقسوة الرومان العظيمة حتي أنَّ الناس سيبحثون عن الموت من الجوع والعطش واليأس الذي يوصل بعضهم إلي درجة يأكلون فيها لحوم البشر بعد أن يكونوا قد أكلوا جميع الحيوانات الطاهرة والنجسة. ويُوضِّح ذلك بما لاقاه هو نفسه علي أيدي صالبيه، فإنْ كانوا قد عاملوه بهذه القسوة وهم يعلمون أنَّه برئ فكيف سيتعاملون مع العصاة والمتمردين والثوار في زمن ذلك الحصار وا لدمار الذي تنبَّأ به، كما يتضمَّن قوله أيضًا أنَّه إذا كان بنو إسرائيل قد فعلوا ذلك بملكهم الإلهي الذي استقبلوه بالمزامير وسعف النخل فكم وكم ستكون دينونة الله عليهم وهم الأشرار العصاة.
وقد تمَّ ما تنبَّأ به السيّد المسيح حرفيًا سنه 70م فقد حاصر الرومان المدينة ودمّروها وأحرقوا الهيكل وهلك في أورشليم أكثر من مليون يهودي في أيام قليلة. والسؤال الآن : هل يمكن أنْ يكون هذا الشخص، الذي حوَّل سمعان المُسَخَّر لحمل صليبه إلي أحد المؤمنين به والذي أشفق علي الباكيات عليه وعلي مصير أورشليم والذي تنبَّأ عن ما سيحدث لهذا الشعب وهذه المدينة في المستقبل القريب، وهو في هذا الموقف الرهيب، إنسانًا آ خر غير المسيح ؟؟!! والإجابة : كلا، لا يمكن أنْ يكون هذا سوي المسيح " رب المجد " الذي يقدر علي كل شئ في أي وقت وتحت أي ظرف، خاصة وأنَّه وضع نفسه تحت هذه الظروف بإرادته.
1- لمحة تاريخية :
& nbsp; كلمة الصليب في اليونانيّة ستاوروس (stauros) وهو آلة إعدام وتعذيب قاسية جدًا وتطبّق علي مقترفي الآثام الخطيرة، وقد إستخدمها الفينيقيّون، كما يذكر المؤرّخ اليونانيّ هيرودوت، ويري كثيرون أنَّ الفُرس هم أوَّل من إخترعها وطبّقها في القرنَين السادس والخامس قبل الميلاد، واستُخدمت في مصر في القرن الخامس قبل الميلاد، واستخدمها بعد ذلك الإسكندر الأكبر وأهل قرطاجنة بشمال أفريقيا وأخذها عنهم الرومان واستخدموها بكثرة. ولأنَّ هذه العقوبة كانت قاسية جدًا ورهيبة فلم تُطبَّق قطّ علي الأحرار سواء الإغريق أو الرومان وإنما طُبِّقَت علي العبيد والثوّار غير الرومانيّين، ونظرًا لأنَّها أقسي العقوبات وأكثرها ردعًا وإرهابًا فقد طُبِّقَتْ بكثرة علي الثوّار المطالبين باستقلال بلادهم عن الدولة الرومانيّة، ويذكر المؤرّخ اليهودي يوسيفوس المعاصر لتلاميذ المسيح (36-100م) أنَّها طُبِّقَتْ مرّات كثيرة جدًا علي ثوّار اليهوديّة
وكان هناك ثلاثة أنواع من الصلبان، نوع علي شكل حرف T (Crux Commissa) وآخر علي شكل حرف X والمسمّي بصليب القديس إندراوس (Crux decussata) والثالث يتكوّن من عارضتَين متقاطعتَين + (Thecrux immissa) وهذا النوع هو الذي صُلِبَ عليه السيّد المسيح وهذا ما يؤكّده لنا موقع العنوان الذي سُمِّر علي الصليب أعلي رأس السيّد المسيح (يو19/19)، وهذا ما يؤكّده التقليد أيضًا بصورةٍ قاطعةٍ
2 - الجلد وطريق الصليب :
بعد الحكم بإدانة متهم والحكم عليه بالإعدام صلبًاً كان لابد أنء يُجْلَد حسب عادة الرومان حتي يسيل الدم من معظم أجزاء جسده، وعملية الجلد هذه كانت تُسْرِع بالموت وتُقلّل من سكراته. وكان عليه بعد ذلك أنْ يحمل خشبة الصليب الأفقيّة التي ستُسَمَّر عليها يداه إلي مكان الصلب وهو عادة خارج المدينة كما كان عليه أنْ يمرّ بأكبر عدد ممكن من شوارع المدينة وحواريها وطرقها الأكثر ازدحامًا ليراه أكبر عدد ممكن من الناس، كما كان يُصْلَب عادةً في مكان مرتفع وعام ليراه العامة من مسافات كافية، حتي يكون عبرة لكل من تسوّل له نفسه مخالفة القانون الروماني أو الثورة علي الإمبراطوريّة المستعمرة، وكان يتقدّم أمامه أحد الضبّاط أو الجنود يحمل لوحة مكتوب عليها التهمة الموجّهَة ضدَّه والتي تُلصَق بعد الصلب علي الصليب ليراها الجميع، وعندما كان يصل إلي ساحة الإعدام يُجَرَّد المصلوب من ملابسه وتُقَسَّم علي الجنود القائمين بعملية الصلب وتُسْتَر عَوْرَتُه فقط بقطعة من القماش ثم يوضع علي الأرض وتُسَمِّر يديه بقسوة وفظاعة بالمسامير الكبيرة والسميكة أو تُربَط بالحبال في العارضة الأفقيّة، التي كان يحملها، ثم تُرْفَع العارضة والمصلوب لتُثَبِّت بالخشبة القائمة والتي كانت مثبتة في الأرض وفي منتصفها كتلة خشبية بارزة صغيرة تُسَمَّي السرج ليستقر عليها ردفَي المصلوب ولتحفظ وزن الجسم حتى لا تُمزِّق المسامير يديه، وتُثَبِّتْ قدمَيه بمسمارٍ ضخم من خلال مشطي القدم معًا أو تُسَمِّر كل قدمٍ منفصلة(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أكتشف سنه 1968م في جيف آت ها – مفتار بأورشليم بقايا عظام من القرن الأول الميلادي في معظمه (كان تجمع فيه عظام الموتى) تعطينا تفصيلات عن طرق الصلب زمن المسيح، تضم عظمتين لعقب قدم شخص صلب في القرن الأول ما يزالا مثبتين معاً بمسمار حديد وأخد بطول 14سم.the International St. B. Ency. VOL. 1, P, 829.
ــــــــــ
وبعد أنْ يُعَلَّق المصلوب علي الصليب كان يُعاني آلامًا رهيبةً قاسيةً من آثار المسامير والجروح التي تأخذ في التورم والتلف إلي جانب التعرّض للحشرات المختلفة والطيور الجارحة والحيوانات المتوحّشة وغيرها، وكذلك من التعرّض للطقس الذي يكون أحيانًا شديد الحرارة وأحيانًا أخري شديد البرودة، ويُترَك وحيدًا غير قادر علي أي شئ بالمرة بما في ذلك خدمة الوظائف الجسديّة، ومما يُزيد من آلامه التعرّض للإهانة والسخرية من الذين كانوا يشاهدون عملية الصلب. وكانت الآلام الجسديّة والنفسيّة والعقليّة التي يتضمنّها هذا الموت الرهيب البطيء لا يمكن تخيّلها ولا تُوصف والتي قد يُصاب المصلوب من جرّائها بالجنون أو الصرع أو التشنّج. ويستمر المصلوب في هذا العذاب القاسي الرهيب والذي كان يعانيه ويستمر فيه علي الصليب مدّة من 36 ساعة إلي أربعة أيّام وقد إستمر بعض المصلوبين أسبوعًا. وماتوا مثل المجانين. وكانت عملية الجلد التي تتم قبل الصلب ودرجة كثافتها إلي جانب قوّة بنية الجسم والطريقة التي يُصْلَب بها المصلوب سواء كانت بتسمير يديه ورجليه أو بربطهم بالحبال هي التي تحدّد طول المدة التي يقضيها المصلوب علي الصليب. وبعد موته كان يُتْرَك جسده ليتعفَّن علي الصليب إنْ لم يُطالب أحد بدفنه.
3 - الصلب والناموس اليهودي :
لم تُوجَد عقوبة الصلب في الناموس وإنما طبّقها عليهم الرومان بكثرة، حتي أصبحت معتادة عندهم. وكان الناموس ينصّ علي قتل المجدّفين رجمًا بالحجارة ثم يُعَلَّقون بعد ذلك علي شجرة كعقوبة إضافيّة دلالة علي أنَّهم كانوا مجدِّفين علي الله ومتّهمين من قِبَلَه. وكان لابد أنْ تُدْفَن الجثة في نفس اليوم حتي لا تُدَنِّس الأرض لأنَّ المُعَلَّق كان يُعْتَبَر ملعونًا، " وَإِذَا كَانَ عَلى إِنْسَانٍ خَطِيَّةٌ حَقُّهَا المَوْتُ فَقُتِل وَعَلقْتَهُ عَلى خَشَبَةٍ فَلا تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلى الخَشَبَةِ بَل تَدْفِنُهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لأَنَّ المُعَلقَ مَلعُونٌ مِنَ اللهِ. فَلا تُنَجِّسْ أَرْضَكَ التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيباً»." (تث21/22-23) .
4 - في الطريق إلى الجلجثة (الجمجمة) :
بعد الحكم علي الرب يسوع المسيح بالصلب وجلده خرج من دار الولاية حاملاً صليبه الذي سيُصْلَب عليه وسار به في شوارع أورشليم وطرقها الأكثر ازدحامًا وسط حرّاسه من أربعة جنود وقائد مائة ومحاطًا بجماهير غفيرة لا حصر لها، ونظرًا لأنَّه كان قد قضى أسبوعًا مثيرًا في أورشليم إنتهي بمعاناته في البستان وهروب تلاميذه عند القبض عليه وظلَّ يُحاكم طوال الليل من الساعة الواحدة ليلاً وحتى التاسعة صباحًا ( بتوقيتنا الحالي ) أمام رؤساء الكهنة والسنهدرين وأمام بيلاطس البنطي وهيرودس وقد عاني أثناء هذه المحاكمات كل صنوف الإهانة والسخرية من سبٍّ ولطمٍ وركلٍ وضربٍ وبصقٍ علي وجهه وجلدٍ، وكان ظهره متورِّمًا ومتهرئًا وممزقًا من شدّة وقسوة سياط الجلادين المركب بها قطع من الرصاص أو العظم انغرست في لحمه بقسوة وعنف إلي جانب آلام إكليل الشوك الذي انغرست أشواكه في رأس ه فسببت له آلاماً شديدة وصارت تنزف بغزارة، وكما كان جسده ينزف كان قلبه يُدْمِى بسبب ما لاقاه من نكران وجحود، فنال منه التعب والإجهاد الشديد ولم يقوَ علي حمل الصليب فسقط به علي الأرض عدَّة مرات، كما يؤكِّد التقليد، فسَخَّر الجند الرومان أحد المارة، وهو سمعان القيراوني، ليحمل معه الصليب " وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ وَجَدُوا إِنْسَاناً قَيْرَوَانِيّاً اسْمُهُ سِمْعَانُ فَسَخَّرُوهُ لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ." (مت27/32) ، " أَمْسَكُوا سِمْعَانَ رَجُلاً قَيْرَوَانِيّاً كَانَ آتِياً مِنَ الْحَقْلِ وَوَضَعُوا عَلَيْهِ الصَّلِيبَ لِيَحْمِلَهُ خَلْفَ يَسُوعَ." (لو23/26) .
كان سمعان هذا من مدينة القيروان بشمال أفريقيا والتي كان بها مستعمرة تضمّ عددًا كبيرًا من اليهود وقد جاء ليحضر الفصح في أورشليم ولزيارة الهيكل ولما سخَّره الجنود الرومان ليحمل الصليب خلف السيّد لم يكن يجرؤ أنْ يرفض طلبهم هذا فحمل الصليب مُسَخَّرًا ولكن شئ عجيب قد حدث، لا ندركه، جعل سمعان يري ما لم يره الجند ويجد في شخص السيد المسيح المتجِّه إلي ساحة الإعدام ما
جعله يُؤمن به ويُصبح هو وأولاده وزوجته من أتباعه بل ومن المتقدّمين في الكنيسة، والمعروفين في كنيسة رومية بالذات، فيقول عنه القدّيس مرقس في إ نجيله الذي دوّنَه في رومية " سِمْعَانُ الْقَيْرَوَانِيُّ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ " (مر15/21)، ويكتب القدّيس بولس في رسالته إلى رومية مسلمًا علي روفس هذا ابن سمعان وعلي أمّه زوجة سمعان التي يعتبرها أمّه، "سَلِّمُوا عَلَى رُوفُسَ الْمُخْتَارِ فِي ال رَّبِّ وَعَلَى أُمِّهِ أُمِّي." (رو16/13). فقد استطاع السيّد. المحكوم عليه بالإعدام صلبًا، وهو حامل صليب العار والهوان أنْ يحوِّل سمعان هذا إلي أحد اتباعه المؤمنين به. فهل يمكن أنْ يكون آخر غير المسيح ؟؟!! كلا. لأنَّه لا يستطيع أنْ يفعل ذلك سوي المسيح وحده.
وفي الطريق إلي الجلجثة، " وَتَبِعَهُ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ وَالنِّسَاءِ اللَّوَاتِي كُنَّ يَلْطِمْنَ أَيْضاً وَيَنُحْنَ عَلَيْهِ." (لو23/27)، وكان ضمن هؤلاء كثيرون من الذين اِتّبعوه عندما دخل أورشليم ظافرًا منتصرًا وكثيرون من أتباعه غير المعروفين لرؤساء الكهنة وبعض اتباعه الذين كانوا يتابعونه من بعيد، كما فعل بطرس وقت المحاكمة (< SPAN lang="AR-SA" style="FONT-SIZE: 14pt;COLOR: blue;FONT-FAMILY: 'WinSoft Naskh';">لو22/54)، وكثيرات من النسوة اللواتي كن ينحن عليه، وبرغم ما كان يقاسيه من آلام جعلته يسقط تحت حمل الصليب إلا أنَّه أشفق عليهن وعلي المصير القادم علي أورشليم واتجه إليهن، محذرًا من الدينونة الآتية عليها بسبب رفضها للمسيح وتسليمها له ليموت ميته العار والهوان ، وقال " يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ لأَنَّهُ هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُونَ فِيهَا: طُوبَى لِلْعَوَاقِرِ وَالْبُطُونِ الَّتِي لَمْ تَلِدْ وَالثُّدِيِّ الَّتِي لَمْ تُرْضِعْ. حِينَئِذٍ يَبْتَدِئُونَ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا وَلِلآكَامِ: غَطِّينَا. لأَنَّهُ إِنْ كَانُوا بِالْعُودِ الرَّطْبِ يَفْ عَلُونَ هَذَا فَمَاذَا يَكُونُ بِالْيَابِسِ؟». " (لو23/28-31).
وهو هنا يشفق ويتنبّأ ويحذِّر برغم الآلام الرهيبة التي كان يُعانيها والموت الرهيب الذي كان ذاهبًا إليه، فقد أشفق عليهُنَّ من المصير الأتي علي المدينة ومن
فيها وتنبَّأ بالحصار والدمار والمصير المظلم الذي ستواجهه والويلات التي سيعانيها سكانها لدرجة أنَّ النساء اللواتي لم يحبلن ولم ينجبن يكنَّ محظوظات في تلك الأيام التي ستكون فيها قسوة الحصار والويلات التي يُعانيها الشعب بسببه وقسوة الرومان العظيمة حتي أنَّ الناس سيبحثون عن الموت من الجوع والعطش واليأس الذي يوصل بعضهم إلي درجة يأكلون فيها لحوم البشر بعد أن يكونوا قد أكلوا جميع الحيوانات الطاهرة والنجسة. ويُوضِّح ذلك بما لاقاه هو نفسه علي أيدي صالبيه، فإنْ كانوا قد عاملوه بهذه القسوة وهم يعلمون أنَّه برئ فكيف سيتعاملون مع العصاة والمتمردين والثوار في زمن ذلك الحصار وا لدمار الذي تنبَّأ به، كما يتضمَّن قوله أيضًا أنَّه إذا كان بنو إسرائيل قد فعلوا ذلك بملكهم الإلهي الذي استقبلوه بالمزامير وسعف النخل فكم وكم ستكون دينونة الله عليهم وهم الأشرار العصاة.
وقد تمَّ ما تنبَّأ به السيّد المسيح حرفيًا سنه 70م فقد حاصر الرومان المدينة ودمّروها وأحرقوا الهيكل وهلك في أورشليم أكثر من مليون يهودي في أيام قليلة. والسؤال الآن : هل يمكن أنْ يكون هذا الشخص، الذي حوَّل سمعان المُسَخَّر لحمل صليبه إلي أحد المؤمنين به والذي أشفق علي الباكيات عليه وعلي مصير أورشليم والذي تنبَّأ عن ما سيحدث لهذا الشعب وهذه المدينة في المستقبل القريب، وهو في هذا الموقف الرهيب، إنسانًا آ خر غير المسيح ؟؟!! والإجابة : كلا، لا يمكن أنْ يكون هذا سوي المسيح " رب المجد " الذي يقدر علي كل شئ في أي وقت وتحت أي ظرف، خاصة وأنَّه وضع نفسه تحت هذه الظروف بإرادته.
ابو ماضى- مراقب عام المنتدى
- عدد المساهمات : 440
تاريخ التسجيل : 23/05/2010
العمر : 51
مواضيع مماثلة
» من الذي مات علي الصليب؟ الإله أم الإنسان
» القدس - قلعة أنطونيا ودرب الصليب
» الأنبا بيشوي يحذر من «دق» الصليب علي الأيدي في مولد مارجرجس
» هل السيد المسيح علي الصليب ، قدم نفسه ذبيحة كفارة عن الخطية الجدية ، أم عن كل الخطايا
» القدس - قلعة أنطونيا ودرب الصليب
» الأنبا بيشوي يحذر من «دق» الصليب علي الأيدي في مولد مارجرجس
» هل السيد المسيح علي الصليب ، قدم نفسه ذبيحة كفارة عن الخطية الجدية ، أم عن كل الخطايا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى