مارجرجس والشهداء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الرساله الى العبرانيين

اذهب الى الأسفل

الرساله الى العبرانيين Empty الرساله الى العبرانيين

مُساهمة  ابو ماضى الإثنين يوليو 12, 2010 10:39 am

الرسالة إلى العبرانيين هي السفر التاسع عشر في أسفار العهد الجديد ، فهي تأتي بعد رسائل الرسول بولس الثلاث عشرة . أما في المخطوطات الكبرى ، المكتوبة بالخط الثلث ، فتقع بين رسائل الرسول بولس إلى الكنائس السبع ، ورسائله الأربع الأخرى المرسلة إلى أفراد . وتقع في مخطوطة " شستر بيتي " ( P46- Chester Beatty ) - وهي أقدم المخطوطات للعهد الجديد ( إذ ترجع إلى القرن الثاني ) – بعد الرسالة إلى رومية مباشرة ( وهو نفس موقعها في السريانية القديمة ) . وفي المخطوطات القبطية الصعيدية ، تقع بعد الرسالة الثانية إلى كورنثوس . وفي إحدى مخطوطات لينينجراد ، تقع بعد الرسالة إلى غلاطية .
أولاً – الكاتب : لا يُعلم – على وجه اليقين – كاتب هذه الرسالة ، فقد نُسبت في الأسكندرية إلى الرسول بولس منذ منتصف القرن الثاني ، رغم اعتراف أكليمندس وأوريجانوس بوجود بعض الاعتراضات على ذلك ، فقد صرَّح أوريجانوس بأن " الله وحده يعلم حقيقة هذا الأمر " ( كما جاء في تاريخ يوسابيوس ) . ونسبها ترتليانوس إلى برنابا . ونسبها لوثر وكثيرون بعده إلى أبلوس . كما زعم " هارناك " أنها من كتابه بريسكلا . ولكن ينفي ذلك صيغة المذكر ( في اللغة اليونانية ) في قوله : " وماذا أقول أيضاً لأنه يعوزني الوقت إن أخبرت عن جدعون 0" ( عب 11 :32، فضمير المتكلم هو ضمير المذكر ) . ويرى الكثيرون أن الكاتب كان من الجيل المسيحي الثاني ( عب 2 : 3 و4 ) ، ضليعاً في اللغة اليونانية ،مما ينطبق على أبلوس أكثر مما على بولس ، وربما كانت له خلفية يهودية إسكندرية ، كما كان مقتدراً في الكتب ( انظر أع 18 : 24 و28 ) التي درسها في الترجمة السبعينية .
ثانياً – المرسل إليهم :لا يذكر في الرسالة نفسها إلى من كتبت ، مثلما لم يذكر كاتبها . فالعنوان " إلى العبرانيين " يرجع إلى الربع الأخير من القرن الثاني ، ولا يمكن الجزم بما إذا كان ذلك يستند إلى أساس صحيح . وإذا كان الأمر كذلك ، فإلى أي " عبرانيين " كُتبت ؟ من الممكن أن نستنتج من الدلائل الداخلية ، أنهم كانوا يهوداً من ذوي الثقافة الهيلينية ( اليونانية ) الذين قبلوا الإنجيل . فالمؤمنون من الأمم ، المعرضون للارتداد ، لا يعنيهم في شيء الحوار الذي يبدأ بالقول : فلو كان بالكهنوت اللاوي كمال 0000" ( عب 7 : 11 ) . فأول ما يتبادر إلى ذهن المؤمنين من الأمم ، عند قراءتهم ذلك : " مالنا ولهذا ؟ فنحن لم نظن مطلقاً أن الكهنوت اللاوي كذلك " . كما أنه لم يكن ثمة داع للإصرار على أن العهد الأول قد " عتق وشاخ " ( 8 : 13 ) . كما لم يكن هناك معنى للتحريض على الخروج إلى المسيح " خارج المحلة " ( 13 : 13 ) ، إلا لأنهم كانوا من خلفية يهودية . كما يؤكد ذلك أيضاً ثقة الكاتب في إيمانهم القوي بسلطان العهد القديم ( فلو كانوا مسيحيين معرضين للارتداد عن الإيمان المسيحي ، لكانوا بالأولى يتنكرون للعهد القديم ) . وليس من السهل تحديد مكان إقامتهم ، فربما كان ذلك في أورشليم ، أو قيصرية ، أو أنطاكية أو الإسكندرية ، أو وادي ليكوس أو أفسس أو كورنثوس أو غيرها . ولعل الأرجح أنهم كانوا جماعة يكونون كنيسة عائلية في روما ، حيث أنها المدينة التي ارتبط بها أول ذكر للرسالة ( في كتابات أكليمدنس الرومانى ، حوالي 96 م ) .
ثالثاً – المناسبة والهدف والتاريخ : كان القوم الذين كُتبت لهم الرسالة ، معرضين لخطر فقدان غيرتهم الأولى . فقد كانت غيرتهم عندما أصبحوا مسيحيين ، متقدة حتى إنهم واجهوا الاضطهاد بصبر ، وقبلوا سلب أموالهم بفرح ، ولم يتقاعسوا عن خدمة إخوتهم المؤمنين ، وبخاصة الذين وُضعوا في السجون ( انظر عب 10 : 32 – 34 ) . ولكن بمضي السنين ، فترت غيرتهم ، وبدا لهم أن مجيء المسيح ثانية – الذي كانوا ينتظرونه لهفة – قد أصبح أبعد مما توقعوا . ووجدوا أن المؤسسات اليهودية وشركة المجمع اليهودي ، التي تخلوا عنها باعتناقهم للمسيحية ، تنمو وتزدهر بتشجيع من الدولة الرومانية ، فضعفت قوة الدفع الأولى ، وأصبحوا معرضين للنظر إلى الوراء ، لا إلى الأمام . ولذلك يحرضهم الكاتب بإلحاح ، بالكثير من الصور البلاغية ، حتى لا ينجرفوا في التيار بل بالحري أن يجدفوا ضد التيار ، أن لا يستسلموا في وسط السباق ، بل أن يحاضروا بالصبر متمسكين بالإيمان . بل لعله أراد أيضاً – كما يقول وليم مانسون – أن يراهم يقومون بدورهم – مع غيرهم من المؤمنين – في الكرازة بالإنجيل للعالم أجمع بدلاً من الركود والتقهقر . ولكي يقوموا بهذا الدور كان عليهم أن يحرقوا مراكبهم ويقطعوا كل ما كان يربطهم بالنظام القديم . فتجاهل الدعوة للتقدم ، تؤدي إلى " الارتداد عن الله الحي " ( 3 : 12 ) . ولذلك يحذرهم بشدة ، وفي نفس الوقت يبدي لهم ثقته بأنهم سيُثبَّتون على محبتهم الأولى – بنعمة الله – وأنهم سيحاضرون بالصبر والإيمان .
أما عن تاريخ كتابة الرسالة ، فلابد أنها كُتبت في القرن الأول حيث جاء ذكرها في كتابات أكليمندس الروماني (حوالي 96 م ) . كما يتضح من الرسالة نفسها ( 2: 3 و4 ) أن الكاتب وقّْراءة قبلوا الإنجيل من أناس قد سمعوا الرب نفسه . ولكن ليس من السهل الجزم بكتابتها قبل أو بعد تدمير الهيكل في أورشليم في 70 م . فيبدو من الرسالة أنه يُشار إلى الذبائح والخدمة في الهيكل ، في صيغة المضارع اي بأعتبارها أموراً قائمة. . ولكن البعض يقول إن صيغة المضارع هنا ، هي " صيغة بلاغية " مبنية على فرائض الناموس ، وليس على ما يجري في الواقع . ولكن لو أن الهيكل كان قد زال ، وانقطع تقديم الذبائح ، لما فات الكاتب أن يشير إلى ذلك ، ويتخذ منه حجة يدعم بها أقواله . كما أنه يقول : و" أما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال " ( عب 8 : 13 ) ، لذلك فالأرجح أن الرسالة كتبت قبل 70 م .
وإذا كانت الرسالة قد كُتبت إلى مؤمنين في روما ، لكان معنى ذلك أنها كُتبت قبل 64 م ، حيث يكتب لهم قائلاً: لم تقاموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية " ( 12 : 4 ) ، أي أنهم لم يتعرضوا للاستشهاد من أجل إيمانهم ، أي أن الرسالة كُتبت قبل الاضطهاد في زمن نيرون ( أما الاضطهاد الذي يشير إليه في 10 : 32-34 الذي لم يتضمن الاستشهاد ، فلعله كان يشير إلى طرد اليهود من روما في 49 م. المذكور في أع 18 : 2 ) .
رابعاً – ملخص الرسالة : يصف الكاتب رسالته بأنها " كلمة وعظ " ( 13 : 22 ) ، وهي عبارة وردت في سفر أعمال الرسل ( 13 : 15 ) ، عن الوعظ في المجمع . فالرسالة – في الحقيقة – عبارة عن موعظة رائعة البناء ، اضطرته الظروف إلى تسجيلها كتابةً ، عوضاً عن إلقائها شفاهاَ .
( أ ) الإنجيل هو كلمة الله الأخيرة ( 1 : 1 –2 : 18 ) .
(1) إعلان الله الكامل في ابنه ( 1 : 1 –4 ) .
(1) المسيح أعظم من الملائكة ( 1 : 5 –14 ) .
(2) التحذير الأول : الإنجيل والناموس ( 2 : 1-4 ) .
(3) اتضاع ابن الإنسان ومجده ( 2 : 5-9 ) .
(4) ابن الإنسان هو مخلص شعبه ، ورئيس الكهنة العظيم ( 2 :10 –18 ) .
( ب ) الموطن الحقيقي لشعب الله ( 3 : 1-4 :13 ) :
(1) يسوع أعظم من موسى ( 3 : 1 –6 ) .
(2) التحذير الثاني : إن رفض يسوع لأخطر من رفض موسى ( 3 : 7 –19 ) .
(3) يمكن فقدان راحة الله الحقيقية ( 4 :11 –13 ) .
(جـ) المسيح رئيس الكهنة العظيم ( 4 :14- 6: 20 ) :
(1) في خدمة المسيح كرئيس الكهنة ، تشجيع لشعبه ( 4 :14 -16 ) .
(2) المؤهلات اللازمة لرياسة الكهنوت ( 5 :1-4 ) .
(3) مؤهلات المسيح لذلك ( 5 :5-10) .
(4) التحذير الثالث : عدم النضج الروحى ( 5 :11-14 ).
(5) عدم وجود بداية ثانية ( 6 :1-8 ) .
(6) التحريض على الاجتهاد والمثابرة ( 6 :9-12 ) .
(7) ثبات وعد الله ( 6 :13-20 ) .
(د) رتبة ملكي صادق ( 7 :1 – .. ) :
(1) ملكي صادق الكاهن الملك ( 7 :1-3 ) .
(2) عظمة ملكي صادق ( 7 :4-10 ) .
(3 ) عدم كمال كهنوت هارون ( 7 :11-14 ) .
(4 ) سمو الكهنوت الجديد ( 7 :15-19) .
(5) سموه لأنه بقسم من الله ( 7 :20-22 ) .
(5) سموه لأنه أبدي لا يزول ( 7 :23-25 ) .
(6) سموه لأنه، يسوع المسيح قدوس بلا شر ولا دنس ( 7 :26-28 ).
(هـ) العهد ، والمسكن ، والذبيحة ( 8 :1-10 :18 ) .
(1) الكهنوت والعهد ( 8 :1-7 ) .
(2) إبطال العهد الأول ( 8 :8-13 ) .
(3) المسكن في العهد الأول (9 :1-5 ) .
(4) طقوس وقتية ( 9 : 6-10 ) .
(5) فداء المسيح فداء أبدي (9 :11-14 ) .
(6) وسيط العهد الجديد ( 9 :15-22 ) .
(7) الذبيحة الكاملة ( 9 :23-28 ) .
(Cool النظام القديم كان ظلاً للحقيقة ( 10 :1-4) .
(9) النظام الجديد هو الحقيقة عينها ( 10 :5-10 ) .
(10) جلوس رئيس الكهنة على العرش إلى الأبد ( 10 :11-18 ) .
(و) الدعوة للعبادة والإيمان والمثابرة ( 10 :19 –12 :29 ) .
(1) الاقتراب لله على أساس ذبيحة المسيح (10 :19-25 ) .
(2) التحذير الرابع : خطية الارتداد الإرادية ( 10 :26-31) .
(3) الدعوة للمثابرة ( 10 :32-39 ) .
(4) إيمان القدماء ( 11 :1 –40 )
(I ) مقدمة : طبيعة الإيمان ( 11 :1-3 ) .
( II) إيمان من عاشوا الطوفان ( 11 : 4-7 ) .
(III ) إيمان إبراهيم وسارة ( 11 :8-12 ) .
( IV )مدينة الله هي موطن المؤمنين ( 11 :13-16 ) .
(V ) إيمان الآباء ( 11 :17-22 ) .
( VI ) إيمان موسى (11 :23-28 ) .
( VII ) إيمان الخروج والاستقرار ( 11 :29-31 ) .
(VIII ) أمثلة أخرى للإيمان ( 11 :32-38 ( .
( IX ) خاتمة : غاية الإيمان تتحقق في المسيح ( 11 :39و40 ) .
( 5 ) يسوع رئيس ( رائد ) الإيمان ومكمله ( 12 :1-3 ) .
(6 ) التأديب للابن ( 12 :4-11 ) .
( 7 ) الدعوة للعمل ( 12 :12-17 ) .
(8 ) سيناء الأرضية ، وصهيون السماوية ( 12 :18-24 ) .
( 9 ) يجب الانتباه لصوت الله ( 12 :25-29 ) .
(ز) تحريض ختامي وصلاة ( 13 :1-21 ) .
(1) وصايا أدبية ( 13 :1-6 ) .
(2) أمثلة للسير على نهجها ( 13 :7و8 ) .
(3) ذبائح المؤمنين الحقيقية ( 13 :9-16 ) .
(4) الخضوع للمرشدين ( 13 :17 ) .
(5) التحريض على الصلاة ( 13 :18و19 ) .
(6) صلاة وتحية ( 13 :20و21 ) .
(ح ) حاشية ( 13 :22-25 ) .
( 1) ملحوظة شخصية ( 13 :22و23 ) .
(2 ) تحية ختامية وطلب النعمة لهم ( 13 :24و25 ) .
خامسا – العلاقة بين الرسالة والتعليم الرسولي : حيث أن الرسالة إلى العبرانيين تمثل مدرسة فكرية متميزة بين أسفار العهد الجديد ، يصبح من المهم مقارنة الإنجيل كما تعلنه هذه الرسالة ، بالإنجيل في سائر أسفار العهد الجديد ، لكي نكشف أنه – فيما يتعلق بالأمور الأساسية – هو نفس الإنجيل الواحد .
لقد بدأ العهد الجديد ، وتمت نبوات العهد القديم ، وظهر " يسوع ابن الله " ( عب 4: 14 ) " مرة عند انقضاء الدهور " ( 9 : 26 ) . وهو في أزليته ، حكمة الله ، فهو " الذي به أيضاً عمل العالمين " (3 :1-3 ، ارجع أيضا إلى يو 1 :1-3 ، كو 1 : 15-17 ، رؤ 3 :14 ).
كما أن مجيئة حسب الجسد من نسل داود ، نجده متضمناً في القول إنه " قد طلع من سبط يهوذا " ( عب 7 :14 ) ، وظروف موته أمر معلوم ( 13 :12 ) ، وأنه قد احتمل الموت " ليبطل الخطية " ( 9 :26 ، انظر أيضا رومية 4 : 25 ، 1كو 15 : 3 ) ، وقيامته أمر مقطوع به لا يحتاج إلى إثبات ( 13 :20 ) ، كما أنها أمر جلي واضح في صعوده وجلوسه في يمين العظمة في الأعالي ( 1 :3 ) . و " هو حي في كل حين ليشفع " في المؤمنين ( 7 :25-انظر أيضاً رو8 :34 ، في 2 : 9-11 ) . كما أن مجيئه ثانية– المنتظر بكل يقين ( عب10 :37 ) – سيتم به خلاص شعبه نهائيا ( 9 : 28 ) . وإلى أن يأتي ثانية ، يسكن فيهم الروح القدس الذي منحهم المواهب " حسب إرادته " (2 :4 ، انظر أيضاً 1كو 12 :4-11،غل 3 :2-5 ) .
سادسا – سياق الرسالة : يؤكد الكاتب أن الإنجيل هو إعلان الله النهائي والكامل للإنسان . ويقارن بين الإنجيل وكل ما سبقه ، وبخاصة النظام اللاوي . وإذ يؤكد كمال عمل المسيح وكمال شخصه ، يقدم الإنجيل كالطريق الوحيد للاقتراب إلى الله اقتراباً لا يعوقه شيء .
كما يثبت أن المسيح أعظم من جميع خدام الله وأنبيائه الذين سبقوه ، سواء كانوا بشرا مثل موسى ( عب 3:3 ) ، أو الملائكة (1 :4 ) الذين أعطى الناموس عن طرقهم (2 :2 ). فالمسيح هو ابن الله ، به خلق العالمين ، وبه يحفظ الكون ( 1:1-3 ) ، ومع ذلك فهو نفسه – كابن الإنسان – اتضع وأطاع حتى الموت ( 2 :5-8 ) ، ولكنه الآن ارتفع فوق السموات وجلس عن يمين العظمة في الأعالي ، ممثلاً لشعبه (1 :3 ،4 :14 ) . ويشبه هذه الخدمة بخدمة رئيس الكهنة في العهد القديم ،والرسالة إلى العبرانين هي السفر الوحيد - الذي يستخدم هذه اللغة الصريحة في الكلام عن يسوع . ويبنى ذلك – جزئياً – على ما جاء في المزمور (110 :4 ) الذي أعلن أن المسيا – الذي سيجيء من نسل داود ، حسب الجسد – هو كاهن إلى الأبد ، ثم على الحقائق التاريخية عن حياة الرب يسوع . وبينما نجد الآية الأولى من " مزمور 110 " كثيراً ما تقتبس في العهد الجديد ، فإن الآية الرابعة لا تقتبس إلا في هذه الرسالة ( عب 5 :6 ) .ففي الآية الأولى ، نجد المسيا ملكاً جالساً عن يمين الله ، بينما نجده في الآية الرابعة من المزمور " كاهناً إلى الأبد " . ويشرح الكاتب كهنوت ملكي صادق ( عب 7 :1-22 ) ، مستشهداً بما جاء عنه في سفر التكوين (14 :18 –20 ) ، لا على أساس ما قيل عنه فحسب ، بل أيضاً على أساس ما لم يقل عنه . ويدعم أقواله عن الكهنوت المسيح بذكر مواصفات المسيح التي تؤهله لهذا المركز ، فلم يكن " قدوساً بلا شر ولا دنس ، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات " (7 :26 ) فحسب ، بل " قد جُرِّب في كل شيء مثلنا بلا خطية " لذلك " يقدر أن يعين المجربين " ( عب 2 :18 ،4 :15 و16 ، 5 :7-10).
ونجد إشارات إلى خطية يسوع الشفاعية في الأناجيل (أنظر مثلاً لو 12 :8،22 :32،يو 17 :6-26 ) ، وكذلك في الرسائل (انظر رومية 8 :34،1يو 2 :1و2 ) ، ولكن نجد الكلام عنها بالتفصيل في الرسالة إلى العبرانيين ، حيث يؤكد بقوة أن كهنوته ليس أفضل من كهنوت هارون ونسله ( عب7 :11-19،8 :6-13 ) . وهذا العهد الجديد يرتبط بذبيحة أفضل من كل ما سبق (9 :23) ، وبمسكن أفضل من كل ما في هذه الخليقة (9 :11 ), فالكهنوت والذبيحة أمران لا ينفصلان ، فكان الكهنة ، نسل هارون ، يقدمون على الدوام ذبائح حيوانية (7 :27) ، وبخاصة " ذبيحة الخطية " السنوية في يوم الكفارة (9 :7 ) . ولكن كل هذه الذبائح لم تكن تسد حاجة الإنسان (10 :4 ) ، لأنها لم تكن تستطيع أن تطهر الضمير من دنس الخطية ، التي تقف حائلاً منيعاً دون الشركة مع الله (9 :9 ) . أما خدمة المسيح الكهنوتية فتقوم على أساس ذبيحة حقيقية تطوعية فعَّالة ، هي " ذبيحة نفسه " (9 :26 ) ، فهي وحدها - دون سائر الذبائح – التي تطهر ضمير الإنسان ليستطيع بعد ذلك أن يخدم " الله الحي " (9 :14 ).
ويرى الكاتب هذه الذبيحة الكاملة في المزمور الأربعين ، حيث يقول الرب ، بلسان النبوة : " بذبيحة وتقدمة لم تسر 0000محرقة وذبيحة خطية لم تطلب . حينئذ قلت : هأنذا جئت بدرج الكتاب مكتوب عنى : أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت وشريعتك في وسط أحشائي " ( مز 40 :6-8، انظر عب 10 :5-9 ) . فهوذا إذ جاء " في الجسد " ، الذي هيأه له الله ( وعبارة : هيأت لي جسداً " هي الترجمة السبعينية لعبارة " أذنى فتحت " ) ، قد تمم مشيئة الله في حياته وفي موته على السواء . وبهذه الذبيحة – في طاعة كاملة لمشيئة الله – أصبح المؤمنون " مقدسين بتقديم جسد المسيح مرة واحدة " (عب 10 :10و22) . وهذه الأقوال المبنية على تفسير كلمة الله ، في العهد القديم ، والتي أيدها اختبار المؤمنين عملياً على مدى جيل كامل منذ موت المسيح وقيامته ظافراً ، إذ أيقنوا في حياتهم من كفاية ذبيحته وشفاعته ، تؤكد أن هذه الذبيحة ( على عكس ذبائح النظام اللاوي ) لا تتكرر ، فهي " مرة واحد’ " وإلى الأبد ، لأنه " بعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة ، جلس إلى الأبد عن يمين الله 000لأنه بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين " (10 :12 و14 ) .ولهذا جاء هذا التحذير الخطير : " فكم عقاباً أشر تظنون أنه يحسب مستحقاً من داس ابن الله ، وحسب دم العهد الذي قُدِّس به دنساً وازدرى بروح النعمة " ( 10 :29 ) .
وما كان المؤمنون – الذين كتب إليهم – في حاجة إليه ، هو أن يتعلموا الاحتمال بصبر ، وأن يتمسكوا بإقرار إيمانهم إلى النهاية ، ولا ينال منهم الإحباط لـتأخر تحقيق الرجاء : " لأنه بعد قليل جداً ، سيأتي الآتي ولا يبطيء " ( 10 :36-39 ) . ولابد أن يتشجعوا بأمثلة مؤمني العهد القديم ( من رجال ونساء ) ، رغم أنهم لم يشهدوا تحقيق المواعيد ( 11 :1-40 ) ، بل أعظم مثال يشجعهم على الصبر والمثابرة على الجهاد في طاعة الله ، هو المسيح نفسه الذي " احتمل الصليب مستهيناً بالخزي ، فجلس في يمين عرش الله " (12 :1-17 ) ، ولأنهم " قابلون ملكوتاً لا يتزعزع " ، عليهم أن يقطعوا كل ما يربطهم بالماضي ، وأن يتبعوا المسيح إلى " خارج المحلة حاملين عاره " إلى " المدينة العتيدة " (عب12 :28-13 :14 ) .
سابعاً – قانونية الرسالة وأصالتها : أخذت هذه الرسالة وضعها بين أسفار العهد الجديد ، منذ أن أدرجها –في القرن الثاني – أحد الآباء ( والأرجح أنه من أباء الإسكندرية ) في مجموعة رسائل الرسول بولس . والأمر المؤكد أنه منذ زمن " بانتينوس " ( حوالي 180م – وهو أستاذ أوريجانوس ) لم يعترض أحد ، من الآباء بالكنيسة في الشرق ، على قانونيتها . ورغم عدم جزم أوريجانوس باسم كاتبها ، إلا أنه لم يشك إطلاقاً في قانونيتها ، وقد أدرج يوسابيوس القيصري مؤرخ الكنيسة ، " الرسالة إلى العبرانيين " بين الأسفار المعترف تماماً بقانونيتها ، رغم أنه لم يَفُته أن البعض قد نحاها جانباً ، لأن كنيسة روما لم تعترف بأنها من كتابات بولس . أما " أفرايم " ( حوالي 350 م ) وغيره من الآباء السريان ، فقد قبلوها منذ البداية ، ونسبوها إلى الرسول بولس . كما أن " البشيطة " السريانية – من أوائل القرن الخامس – قد اشتملت عليها دون سائر الرسائل الجامعة .
أما في الغرب فقد كان الموقف منها مختلفاً ، فرغم أن روما كانت أول مكان عُرفت فيه الرسالة ، قبل نهاية القرن الأول ، لكن لم يُعترف بقانونيتها في الغرب إلا في القرن الرابع ، وذلك باعتبار أنها ليست من كتابات أحد الرسل ، وأخيراً رأت كنيسة روما ألا تشذ عن كنائس الشرق في الاعتراف بها ،وبخاصة بتأثير أثناسيوس الرسولي الذي قضى مدة نفيه في روما ( 343- 346م ) . وكان لا يريناوس أسقف ليون بعض التحفظات عليها ، رغم أنه ينتمي أصلاً لولاية أسيا .
ولعل ما جعل الكنيسة في الغرب تتردد في الاعتراف بها ، هو أنها كانت لا تعترف إلا بما كتبه أحد الرسل . وقد قبل جيروم وأغسطينوس " الرسالة إلى العبرانيين " على أساس أنها من الرسول بولس ، كما اعترف بها مجمع " هبو " (_393 م ) ، ومجمع قرطاجنة (397م ) ، إذ جاء في القرارات التي صدرت عنهما : " للرسول بولس ثلاث عشرة رسالة ، ولنفس الرسول: الرسالة إلى العبرانيين " .
وعندما أثير الموضوع من جديد في عهد الإصلاح ، رفض لوثر الاعتراف بأن الرسالة من كتابات الرسول بولس ، وأعطاها مكاناً ثانوياً لأنه وجد فيها – حسب رأيه- " خشباً وعشباً وقشاً " . كما أن كلفن لم يقر بأن الرسول بولس هو كاتبها ، ولكنه أكد قائلاً : " إنني أضعها – بدون أي تردد – بين كتابات الرسل ، ليس باعتبار كاتبها ، بل بالنسبة لتعليمها وأصالتها " . وأوضح تقديره لها بالقول : " ليس في جميع الأسفار المقدسة ، سفر يتحدث بهذا الوضوح عن كهنوت المسيح ، ويعظِّم – إلى أقصى حد – قيمة وكفاية الذبيحة الحقيقية الوحيدة التي قدمها بموته ، ويعالج بإسهاب موضوع الطقوس وإبطالها . وبالإيجاز ، لا يوجد سفر آخر يبين – بكل جلاء – أن المسيح هو غاية الناموس . لذلك ، دعنا لا نسمح لكنيسة الله ، ولا لأنفسنا ، أن نحرم من فائدة عظيمة بهذا المقدار ، بل بالحري علينا أن ندافع عنها بكل قوانا " . ولاشك أن هذا الفصل بيين قانونية السفر وكاتبة ، هو أمر هام ،إذ أن قانوينة السفر تتوقف على محتواه أساساً وعدم اشتماله على شيء يتعارض مع سائر الأسفار . ونلاحظ أن الرسالة إلى العبرانيين تركز على أن الديانة الحقيقية هي ديانة القلب ، لا ديانة المظاهر والطقوس ( ومما يستلفت الانتباه ، أن الرسالة لا تذكر عن ملكي صادق أهم ما جاء عنه في سفر التكوين ، وهو موضوع تقديمه " الخبز الخمر " لإبراهيم ) . والتطهير الذي له أهمية في نظر الله هو تطهير الضمير من الخطية ، وليس تطهير النجاسة الطقسية . والذبيحة الوحيدة التي لها قيمتها في نظر الله لإجراء هذا التطهير ، هي ذبيحة إرادة مسلمة لله بلا أي تحفظ ، وحياة مكرسة له ، إذ قدم نفسه " لكي يحمل خطايا كثيرين " (عب 9 :28 ، انظر أيضاً إش 53 :6-11) . وليس ثمة مكان معين على الأرض لعبادة الله ، لأن بيت الله ، حيث يتجلى حضوره ويقوم المسيح المكلل بالمجد والكرامة ( عب 2 :9 ) بخدمته الكهنوتية ، أعلى من السموات – بالمعنى الروحي لا المكاني – لأن " بيته نحن ( جماعة المؤمنين ) إن تمسكنا بثقة الرجاء وافتخاره ثابتة إلى النهاية " ( عب 3: 6 ) . فلم تعد هناك مدينة أ و منطقة لها قدسية خاصة ، فالمدينة الوحيدة التي كانت تعتبر مقدسة في العهد القديم ، لم تعد كذلك لأن المسيح طُرد منها و " تألم خارج الباب " ( عب 13 :12 ) ، وعلى شعب المسيح أن يتبعوه كغرباء عن العالم ، لا يكفون مطلقاً عن خدمته ، إلى أن يصلوا إلى الراحة المعدة لهم في " المدينة التي لها الأساسات ، التي صانعها وبارئها الله " (عب 4 :9،11 :10 )
وفي عالم متقلب ، تزول فيه الحدود القديمة ، وتختفي القيم ، يبقى الهدف الثابت الوحيد هو المسيح الذي لا يتغير مطلقاً لأنه " هو هو أمسا واليوم وإلأى الأبد " ( عب 13 :8 ) ، وطريق الحكمة هو أن تواجه المجهول في رفقته ، فهو وحده صخر الدهور الذي لا يتزعزع ، وهو وحده الذي ينير أذهاننا بروحه عاملين " ما يرضي أمامه بيسوع المسيح الذي له المجد إلى أبد الآبدين . آمين " ( عب 13 :20و21 ) .
ابو ماضى
ابو ماضى
مراقب عام المنتدى
مراقب عام المنتدى

عدد المساهمات : 440
تاريخ التسجيل : 23/05/2010
العمر : 51

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى