الرساله الى العبرانيين
صفحة 1 من اصل 1
الرساله الى العبرانيين
الرسالة إلى العبرانيين هي السفر التاسع عشر في أسفار العهد الجديد ، فهي تأتي بعد رسائل الرسول بولس الثلاث عشرة . أما في المخطوطات الكبرى ، المكتوبة بالخط الثلث ، فتقع بين رسائل الرسول بولس إلى الكنائس السبع ، ورسائله الأربع الأخرى المرسلة إلى أفراد . وتقع في مخطوطة " شستر بيتي " ( P46- Chester Beatty ) - وهي أقدم المخطوطات للعهد الجديد ( إذ ترجع إلى القرن الثاني ) – بعد الرسالة إلى رومية مباشرة ( وهو نفس موقعها في السريانية القديمة ) . وفي المخطوطات القبطية الصعيدية ، تقع بعد الرسالة الثانية إلى كورنثوس . وفي إحدى مخطوطات لينينجراد ، تقع بعد الرسالة إلى غلاطية .
أولاً – الكاتب : لا يُعلم – على وجه اليقين – كاتب هذه الرسالة ، فقد نُسبت في الأسكندرية إلى الرسول بولس منذ منتصف القرن الثاني ، رغم اعتراف أكليمندس وأوريجانوس بوجود بعض الاعتراضات على ذلك ، فقد صرَّح أوريجانوس بأن " الله وحده يعلم حقيقة هذا الأمر " ( كما جاء في تاريخ يوسابيوس ) . ونسبها ترتليانوس إلى برنابا . ونسبها لوثر وكثيرون بعده إلى أبلوس . كما زعم " هارناك " أنها من كتابه بريسكلا . ولكن ينفي ذلك صيغة المذكر ( في اللغة اليونانية ) في قوله : " وماذا أقول أيضاً لأنه يعوزني الوقت إن أخبرت عن جدعون 0" ( عب 11 :32، فضمير المتكلم هو ضمير المذكر ) . ويرى الكثيرون أن الكاتب كان من الجيل المسيحي الثاني ( عب 2 : 3 و4 ) ، ضليعاً في اللغة اليونانية ،مما ينطبق على أبلوس أكثر مما على بولس ، وربما كانت له خلفية يهودية إسكندرية ، كما كان مقتدراً في الكتب ( انظر أع 18 : 24 و28 ) التي درسها في الترجمة السبعينية .
ثانياً – المرسل إليهم :لا يذكر في الرسالة نفسها إلى من كتبت ، مثلما لم يذكر كاتبها . فالعنوان " إلى العبرانيين " يرجع إلى الربع الأخير من القرن الثاني ، ولا يمكن الجزم بما إذا كان ذلك يستند إلى أساس صحيح . وإذا كان الأمر كذلك ، فإلى أي " عبرانيين " كُتبت ؟ من الممكن أن نستنتج من الدلائل الداخلية ، أنهم كانوا يهوداً من ذوي الثقافة الهيلينية ( اليونانية ) الذين قبلوا الإنجيل . فالمؤمنون من الأمم ، المعرضون للارتداد ، لا يعنيهم في شيء الحوار الذي يبدأ بالقول : فلو كان بالكهنوت اللاوي كمال 0000" ( عب 7 : 11 ) . فأول ما يتبادر إلى ذهن المؤمنين من الأمم ، عند قراءتهم ذلك : " مالنا ولهذا ؟ فنحن لم نظن مطلقاً أن الكهنوت اللاوي كذلك " . كما أنه لم يكن ثمة داع للإصرار على أن العهد الأول قد " عتق وشاخ " ( 8 : 13 ) . كما لم يكن هناك معنى للتحريض على الخروج إلى المسيح " خارج المحلة " ( 13 : 13 ) ، إلا لأنهم كانوا من خلفية يهودية . كما يؤكد ذلك أيضاً ثقة الكاتب في إيمانهم القوي بسلطان العهد القديم ( فلو كانوا مسيحيين معرضين للارتداد عن الإيمان المسيحي ، لكانوا بالأولى يتنكرون للعهد القديم ) . وليس من السهل تحديد مكان إقامتهم ، فربما كان ذلك في أورشليم ، أو قيصرية ، أو أنطاكية أو الإسكندرية ، أو وادي ليكوس أو أفسس أو كورنثوس أو غيرها . ولعل الأرجح أنهم كانوا جماعة يكونون كنيسة عائلية في روما ، حيث أنها المدينة التي ارتبط بها أول ذكر للرسالة ( في كتابات أكليمدنس الرومانى ، حوالي 96 م ) .
ثالثاً – المناسبة والهدف والتاريخ : كان القوم الذين كُتبت لهم الرسالة ، معرضين لخطر فقدان غيرتهم الأولى . فقد كانت غيرتهم عندما أصبحوا مسيحيين ، متقدة حتى إنهم واجهوا الاضطهاد بصبر ، وقبلوا سلب أموالهم بفرح ، ولم يتقاعسوا عن خدمة إخوتهم المؤمنين ، وبخاصة الذين وُضعوا في السجون ( انظر عب 10 : 32 – 34 ) . ولكن بمضي السنين ، فترت غيرتهم ، وبدا لهم أن مجيء المسيح ثانية – الذي كانوا ينتظرونه لهفة – قد أصبح أبعد مما توقعوا . ووجدوا أن المؤسسات اليهودية وشركة المجمع اليهودي ، التي تخلوا عنها باعتناقهم للمسيحية ، تنمو وتزدهر بتشجيع من الدولة الرومانية ، فضعفت قوة الدفع الأولى ، وأصبحوا معرضين للنظر إلى الوراء ، لا إلى الأمام . ولذلك يحرضهم الكاتب بإلحاح ، بالكثير من الصور البلاغية ، حتى لا ينجرفوا في التيار بل بالحري أن يجدفوا ضد التيار ، أن لا يستسلموا في وسط السباق ، بل أن يحاضروا بالصبر متمسكين بالإيمان . بل لعله أراد أيضاً – كما يقول وليم مانسون – أن يراهم يقومون بدورهم – مع غيرهم من المؤمنين – في الكرازة بالإنجيل للعالم أجمع بدلاً من الركود والتقهقر . ولكي يقوموا بهذا الدور كان عليهم أن يحرقوا مراكبهم ويقطعوا كل ما كان يربطهم بالنظام القديم . فتجاهل الدعوة للتقدم ، تؤدي إلى " الارتداد عن الله الحي " ( 3 : 12 ) . ولذلك يحذرهم بشدة ، وفي نفس الوقت يبدي لهم ثقته بأنهم سيُثبَّتون على محبتهم الأولى – بنعمة الله – وأنهم سيحاضرون بالصبر والإيمان .
أما عن تاريخ كتابة الرسالة ، فلابد أنها كُتبت في القرن الأول حيث جاء ذكرها في كتابات أكليمندس الروماني (حوالي 96 م ) . كما يتضح من الرسالة نفسها ( 2: 3 و4 ) أن الكاتب وقّْراءة قبلوا الإنجيل من أناس قد سمعوا الرب نفسه . ولكن ليس من السهل الجزم بكتابتها قبل أو بعد تدمير الهيكل في أورشليم في 70 م . فيبدو من الرسالة أنه يُشار إلى الذبائح والخدمة في الهيكل ، في صيغة المضارع اي بأعتبارها أموراً قائمة. . ولكن البعض يقول إن صيغة المضارع هنا ، هي " صيغة بلاغية " مبنية على فرائض الناموس ، وليس على ما يجري في الواقع . ولكن لو أن الهيكل كان قد زال ، وانقطع تقديم الذبائح ، لما فات الكاتب أن يشير إلى ذلك ، ويتخذ منه حجة يدعم بها أقواله . كما أنه يقول : و" أما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال " ( عب 8 : 13 ) ، لذلك فالأرجح أن الرسالة كتبت قبل 70 م .
وإذا كانت الرسالة قد كُتبت إلى مؤمنين في روما ، لكان معنى ذلك أنها كُتبت قبل 64 م ، حيث يكتب لهم قائلاً: لم تقاموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية " ( 12 : 4 ) ، أي أنهم لم يتعرضوا للاستشهاد من أجل إيمانهم ، أي أن الرسالة كُتبت قبل الاضطهاد في زمن نيرون ( أما الاضطهاد الذي يشير إليه في 10 : 32-34 الذي لم يتضمن الاستشهاد ، فلعله كان يشير إلى طرد اليهود من روما في 49 م. المذكور في أع 18 : 2 ) .
رابعاً – ملخص الرسالة : يصف الكاتب رسالته بأنها " كلمة وعظ " ( 13 : 22 ) ، وهي عبارة وردت في سفر أعمال الرسل ( 13 : 15 ) ، عن الوعظ في المجمع . فالرسالة – في الحقيقة – عبارة عن موعظة رائعة البناء ، اضطرته الظروف إلى تسجيلها كتابةً ، عوضاً عن إلقائها شفاهاَ .
( أ ) الإنجيل هو كلمة الله الأخيرة ( 1 : 1 –2 : 18 ) .
(1) إعلان الله الكامل في ابنه ( 1 : 1 –4 ) .
(1) المسيح أعظم من الملائكة ( 1 : 5 –14 ) .
(2) التحذير الأول : الإنجيل والناموس ( 2 : 1-4 ) .
(3) اتضاع ابن الإنسان ومجده ( 2 : 5-9 ) .
(4) ابن الإنسان هو مخلص شعبه ، ورئيس الكهنة العظيم ( 2 :10 –18 ) .
( ب ) الموطن الحقيقي لشعب الله ( 3 : 1-4 :13 ) :
(1) يسوع أعظم من موسى ( 3 : 1 –6 ) .
(2) التحذير الثاني : إن رفض يسوع لأخطر من رفض موسى ( 3 : 7 –19 ) .
(3) يمكن فقدان راحة الله الحقيقية ( 4 :11 –13 ) .
(جـ) المسيح رئيس الكهنة العظيم ( 4 :14- 6: 20 ) :
(1) في خدمة المسيح كرئيس الكهنة ، تشجيع لشعبه ( 4 :14 -16 ) .
(2) المؤهلات اللازمة لرياسة الكهنوت ( 5 :1-4 ) .
(3) مؤهلات المسيح لذلك ( 5 :5-10) .
(4) التحذير الثالث : عدم النضج الروحى ( 5 :11-14 ).
(5) عدم وجود بداية ثانية ( 6 :1-8 ) .
(6) التحريض على الاجتهاد والمثابرة ( 6 :9-12 ) .
(7) ثبات وعد الله ( 6 :13-20 ) .
(د) رتبة ملكي صادق ( 7 :1 – .. ) :
(1) ملكي صادق الكاهن الملك ( 7 :1-3 ) .
(2) عظمة ملكي صادق ( 7 :4-10 ) .
(3 ) عدم كمال كهنوت هارون ( 7 :11-14 ) .
(4 ) سمو الكهنوت الجديد ( 7 :15-19) .
(5) سموه لأنه بقسم من الله ( 7 :20-22 ) .
(5) سموه لأنه أبدي لا يزول ( 7 :23-25 ) .
(6) سموه لأنه، يسوع المسيح قدوس بلا شر ولا دنس ( 7 :26-28 ).
(هـ) العهد ، والمسكن ، والذبيحة ( 8 :1-10 :18 ) .
(1) الكهنوت والعهد ( 8 :1-7 ) .
(2) إبطال العهد الأول ( 8 :8-13 ) .
(3) المسكن في العهد الأول (9 :1-5 ) .
(4) طقوس وقتية ( 9 : 6-10 ) .
(5) فداء المسيح فداء أبدي (9 :11-14 ) .
(6) وسيط العهد الجديد ( 9 :15-22 ) .
(7) الذبيحة الكاملة ( 9 :23-28 ) .
( النظام القديم كان ظلاً للحقيقة ( 10 :1-4) .
(9) النظام الجديد هو الحقيقة عينها ( 10 :5-10 ) .
(10) جلوس رئيس الكهنة على العرش إلى الأبد ( 10 :11-18 ) .
(و) الدعوة للعبادة والإيمان والمثابرة ( 10 :19 –12 :29 ) .
(1) الاقتراب لله على أساس ذبيحة المسيح (10 :19-25 ) .
(2) التحذير الرابع : خطية الارتداد الإرادية ( 10 :26-31) .
(3) الدعوة للمثابرة ( 10 :32-39 ) .
(4) إيمان القدماء ( 11 :1 –40 )
(I ) مقدمة : طبيعة الإيمان ( 11 :1-3 ) .
( II) إيمان من عاشوا الطوفان ( 11 : 4-7 ) .
(III ) إيمان إبراهيم وسارة ( 11 :8-12 ) .
( IV )مدينة الله هي موطن المؤمنين ( 11 :13-16 ) .
(V ) إيمان الآباء ( 11 :17-22 ) .
( VI ) إيمان موسى (11 :23-28 ) .
( VII ) إيمان الخروج والاستقرار ( 11 :29-31 ) .
(VIII ) أمثلة أخرى للإيمان ( 11 :32-38 ( .
( IX ) خاتمة : غاية الإيمان تتحقق في المسيح ( 11 :39و40 ) .
( 5 ) يسوع رئيس ( رائد ) الإيمان ومكمله ( 12 :1-3 ) .
(6 ) التأديب للابن ( 12 :4-11 ) .
( 7 ) الدعوة للعمل ( 12 :12-17 ) .
(8 ) سيناء الأرضية ، وصهيون السماوية ( 12 :18-24 ) .
( 9 ) يجب الانتباه لصوت الله ( 12 :25-29 ) .
(ز) تحريض ختامي وصلاة ( 13 :1-21 ) .
(1) وصايا أدبية ( 13 :1-6 ) .
(2) أمثلة للسير على نهجها ( 13 :7و8 ) .
(3) ذبائح المؤمنين الحقيقية ( 13 :9-16 ) .
(4) الخضوع للمرشدين ( 13 :17 ) .
(5) التحريض على الصلاة ( 13 :18و19 ) .
(6) صلاة وتحية ( 13 :20و21 ) .
(ح ) حاشية ( 13 :22-25 ) .
( 1) ملحوظة شخصية ( 13 :22و23 ) .
(2 ) تحية ختامية وطلب النعمة لهم ( 13 :24و25 ) .
خامسا – العلاقة بين الرسالة والتعليم الرسولي : حيث أن الرسالة إلى العبرانيين تمثل مدرسة فكرية متميزة بين أسفار العهد الجديد ، يصبح من المهم مقارنة الإنجيل كما تعلنه هذه الرسالة ، بالإنجيل في سائر أسفار العهد الجديد ، لكي نكشف أنه – فيما يتعلق بالأمور الأساسية – هو نفس الإنجيل الواحد .
لقد بدأ العهد الجديد ، وتمت نبوات العهد القديم ، وظهر " يسوع ابن الله " ( عب 4: 14 ) " مرة عند انقضاء الدهور " ( 9 : 26 ) . وهو في أزليته ، حكمة الله ، فهو " الذي به أيضاً عمل العالمين " (3 :1-3 ، ارجع أيضا إلى يو 1 :1-3 ، كو 1 : 15-17 ، رؤ 3 :14 ).
كما أن مجيئة حسب الجسد من نسل داود ، نجده متضمناً في القول إنه " قد طلع من سبط يهوذا " ( عب 7 :14 ) ، وظروف موته أمر معلوم ( 13 :12 ) ، وأنه قد احتمل الموت " ليبطل الخطية " ( 9 :26 ، انظر أيضا رومية 4 : 25 ، 1كو 15 : 3 ) ، وقيامته أمر مقطوع به لا يحتاج إلى إثبات ( 13 :20 ) ، كما أنها أمر جلي واضح في صعوده وجلوسه في يمين العظمة في الأعالي ( 1 :3 ) . و " هو حي في كل حين ليشفع " في المؤمنين ( 7 :25-انظر أيضاً رو8 :34 ، في 2 : 9-11 ) . كما أن مجيئه ثانية– المنتظر بكل يقين ( عب10 :37 ) – سيتم به خلاص شعبه نهائيا ( 9 : 28 ) . وإلى أن يأتي ثانية ، يسكن فيهم الروح القدس الذي منحهم المواهب " حسب إرادته " (2 :4 ، انظر أيضاً 1كو 12 :4-11،غل 3 :2-5 ) .
سادسا – سياق الرسالة : يؤكد الكاتب أن الإنجيل هو إعلان الله النهائي والكامل للإنسان . ويقارن بين الإنجيل وكل ما سبقه ، وبخاصة النظام اللاوي . وإذ يؤكد كمال عمل المسيح وكمال شخصه ، يقدم الإنجيل كالطريق الوحيد للاقتراب إلى الله اقتراباً لا يعوقه شيء .
كما يثبت أن المسيح أعظم من جميع خدام الله وأنبيائه الذين سبقوه ، سواء كانوا بشرا مثل موسى ( عب 3:3 ) ، أو الملائكة (1 :4 ) الذين أعطى الناموس عن طرقهم (2 :2 ). فالمسيح هو ابن الله ، به خلق العالمين ، وبه يحفظ الكون ( 1:1-3 ) ، ومع ذلك فهو نفسه – كابن الإنسان – اتضع وأطاع حتى الموت ( 2 :5-8 ) ، ولكنه الآن ارتفع فوق السموات وجلس عن يمين العظمة في الأعالي ، ممثلاً لشعبه (1 :3 ،4 :14 ) . ويشبه هذه الخدمة بخدمة رئيس الكهنة في العهد القديم ،والرسالة إلى العبرانين هي السفر الوحيد - الذي يستخدم هذه اللغة الصريحة في الكلام عن يسوع . ويبنى ذلك – جزئياً – على ما جاء في المزمور (110 :4 ) الذي أعلن أن المسيا – الذي سيجيء من نسل داود ، حسب الجسد – هو كاهن إلى الأبد ، ثم على الحقائق التاريخية عن حياة الرب يسوع . وبينما نجد الآية الأولى من " مزمور 110 " كثيراً ما تقتبس في العهد الجديد ، فإن الآية الرابعة لا تقتبس إلا في هذه الرسالة ( عب 5 :6 ) .ففي الآية الأولى ، نجد المسيا ملكاً جالساً عن يمين الله ، بينما نجده في الآية الرابعة من المزمور " كاهناً إلى الأبد " . ويشرح الكاتب كهنوت ملكي صادق ( عب 7 :1-22 ) ، مستشهداً بما جاء عنه في سفر التكوين (14 :18 –20 ) ، لا على أساس ما قيل عنه فحسب ، بل أيضاً على أساس ما لم يقل عنه . ويدعم أقواله عن الكهنوت المسيح بذكر مواصفات المسيح التي تؤهله لهذا المركز ، فلم يكن " قدوساً بلا شر ولا دنس ، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات " (7 :26 ) فحسب ، بل " قد جُرِّب في كل شيء مثلنا بلا خطية " لذلك " يقدر أن يعين المجربين " ( عب 2 :18 ،4 :15 و16 ، 5 :7-10).
ونجد إشارات إلى خطية يسوع الشفاعية في الأناجيل (أنظر مثلاً لو 12 :8،22 :32،يو 17 :6-26 ) ، وكذلك في الرسائل (انظر رومية 8 :34،1يو 2 :1و2 ) ، ولكن نجد الكلام عنها بالتفصيل في الرسالة إلى العبرانيين ، حيث يؤكد بقوة أن كهنوته ليس أفضل من كهنوت هارون ونسله ( عب7 :11-19،8 :6-13 ) . وهذا العهد الجديد يرتبط بذبيحة أفضل من كل ما سبق (9 :23) ، وبمسكن أفضل من كل ما في هذه الخليقة (9 :11 ), فالكهنوت والذبيحة أمران لا ينفصلان ، فكان الكهنة ، نسل هارون ، يقدمون على الدوام ذبائح حيوانية (7 :27) ، وبخاصة " ذبيحة الخطية " السنوية في يوم الكفارة (9 :7 ) . ولكن كل هذه الذبائح لم تكن تسد حاجة الإنسان (10 :4 ) ، لأنها لم تكن تستطيع أن تطهر الضمير من دنس الخطية ، التي تقف حائلاً منيعاً دون الشركة مع الله (9 :9 ) . أما خدمة المسيح الكهنوتية فتقوم على أساس ذبيحة حقيقية تطوعية فعَّالة ، هي " ذبيحة نفسه " (9 :26 ) ، فهي وحدها - دون سائر الذبائح – التي تطهر ضمير الإنسان ليستطيع بعد ذلك أن يخدم " الله الحي " (9 :14 ).
ويرى الكاتب هذه الذبيحة الكاملة في المزمور الأربعين ، حيث يقول الرب ، بلسان النبوة : " بذبيحة وتقدمة لم تسر 0000محرقة وذبيحة خطية لم تطلب . حينئذ قلت : هأنذا جئت بدرج الكتاب مكتوب عنى : أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت وشريعتك في وسط أحشائي " ( مز 40 :6-8، انظر عب 10 :5-9 ) . فهوذا إذ جاء " في الجسد " ، الذي هيأه له الله ( وعبارة : هيأت لي جسداً " هي الترجمة السبعينية لعبارة " أذنى فتحت " ) ، قد تمم مشيئة الله في حياته وفي موته على السواء . وبهذه الذبيحة – في طاعة كاملة لمشيئة الله – أصبح المؤمنون " مقدسين بتقديم جسد المسيح مرة واحدة " (عب 10 :10و22) . وهذه الأقوال المبنية على تفسير كلمة الله ، في العهد القديم ، والتي أيدها اختبار المؤمنين عملياً على مدى جيل كامل منذ موت المسيح وقيامته ظافراً ، إذ أيقنوا في حياتهم من كفاية ذبيحته وشفاعته ، تؤكد أن هذه الذبيحة ( على عكس ذبائح النظام اللاوي ) لا تتكرر ، فهي " مرة واحد’ " وإلى الأبد ، لأنه " بعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة ، جلس إلى الأبد عن يمين الله 000لأنه بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين " (10 :12 و14 ) .ولهذا جاء هذا التحذير الخطير : " فكم عقاباً أشر تظنون أنه يحسب مستحقاً من داس ابن الله ، وحسب دم العهد الذي قُدِّس به دنساً وازدرى بروح النعمة " ( 10 :29 ) .
وما كان المؤمنون – الذين كتب إليهم – في حاجة إليه ، هو أن يتعلموا الاحتمال بصبر ، وأن يتمسكوا بإقرار إيمانهم إلى النهاية ، ولا ينال منهم الإحباط لـتأخر تحقيق الرجاء : " لأنه بعد قليل جداً ، سيأتي الآتي ولا يبطيء " ( 10 :36-39 ) . ولابد أن يتشجعوا بأمثلة مؤمني العهد القديم ( من رجال ونساء ) ، رغم أنهم لم يشهدوا تحقيق المواعيد ( 11 :1-40 ) ، بل أعظم مثال يشجعهم على الصبر والمثابرة على الجهاد في طاعة الله ، هو المسيح نفسه الذي " احتمل الصليب مستهيناً بالخزي ، فجلس في يمين عرش الله " (12 :1-17 ) ، ولأنهم " قابلون ملكوتاً لا يتزعزع " ، عليهم أن يقطعوا كل ما يربطهم بالماضي ، وأن يتبعوا المسيح إلى " خارج المحلة حاملين عاره " إلى " المدينة العتيدة " (عب12 :28-13 :14 ) .
سابعاً – قانونية الرسالة وأصالتها : أخذت هذه الرسالة وضعها بين أسفار العهد الجديد ، منذ أن أدرجها –في القرن الثاني – أحد الآباء ( والأرجح أنه من أباء الإسكندرية ) في مجموعة رسائل الرسول بولس . والأمر المؤكد أنه منذ زمن " بانتينوس " ( حوالي 180م – وهو أستاذ أوريجانوس ) لم يعترض أحد ، من الآباء بالكنيسة في الشرق ، على قانونيتها . ورغم عدم جزم أوريجانوس باسم كاتبها ، إلا أنه لم يشك إطلاقاً في قانونيتها ، وقد أدرج يوسابيوس القيصري مؤرخ الكنيسة ، " الرسالة إلى العبرانيين " بين الأسفار المعترف تماماً بقانونيتها ، رغم أنه لم يَفُته أن البعض قد نحاها جانباً ، لأن كنيسة روما لم تعترف بأنها من كتابات بولس . أما " أفرايم " ( حوالي 350 م ) وغيره من الآباء السريان ، فقد قبلوها منذ البداية ، ونسبوها إلى الرسول بولس . كما أن " البشيطة " السريانية – من أوائل القرن الخامس – قد اشتملت عليها دون سائر الرسائل الجامعة .
أما في الغرب فقد كان الموقف منها مختلفاً ، فرغم أن روما كانت أول مكان عُرفت فيه الرسالة ، قبل نهاية القرن الأول ، لكن لم يُعترف بقانونيتها في الغرب إلا في القرن الرابع ، وذلك باعتبار أنها ليست من كتابات أحد الرسل ، وأخيراً رأت كنيسة روما ألا تشذ عن كنائس الشرق في الاعتراف بها ،وبخاصة بتأثير أثناسيوس الرسولي الذي قضى مدة نفيه في روما ( 343- 346م ) . وكان لا يريناوس أسقف ليون بعض التحفظات عليها ، رغم أنه ينتمي أصلاً لولاية أسيا .
ولعل ما جعل الكنيسة في الغرب تتردد في الاعتراف بها ، هو أنها كانت لا تعترف إلا بما كتبه أحد الرسل . وقد قبل جيروم وأغسطينوس " الرسالة إلى العبرانيين " على أساس أنها من الرسول بولس ، كما اعترف بها مجمع " هبو " (_393 م ) ، ومجمع قرطاجنة (397م ) ، إذ جاء في القرارات التي صدرت عنهما : " للرسول بولس ثلاث عشرة رسالة ، ولنفس الرسول: الرسالة إلى العبرانيين " .
وعندما أثير الموضوع من جديد في عهد الإصلاح ، رفض لوثر الاعتراف بأن الرسالة من كتابات الرسول بولس ، وأعطاها مكاناً ثانوياً لأنه وجد فيها – حسب رأيه- " خشباً وعشباً وقشاً " . كما أن كلفن لم يقر بأن الرسول بولس هو كاتبها ، ولكنه أكد قائلاً : " إنني أضعها – بدون أي تردد – بين كتابات الرسل ، ليس باعتبار كاتبها ، بل بالنسبة لتعليمها وأصالتها " . وأوضح تقديره لها بالقول : " ليس في جميع الأسفار المقدسة ، سفر يتحدث بهذا الوضوح عن كهنوت المسيح ، ويعظِّم – إلى أقصى حد – قيمة وكفاية الذبيحة الحقيقية الوحيدة التي قدمها بموته ، ويعالج بإسهاب موضوع الطقوس وإبطالها . وبالإيجاز ، لا يوجد سفر آخر يبين – بكل جلاء – أن المسيح هو غاية الناموس . لذلك ، دعنا لا نسمح لكنيسة الله ، ولا لأنفسنا ، أن نحرم من فائدة عظيمة بهذا المقدار ، بل بالحري علينا أن ندافع عنها بكل قوانا " . ولاشك أن هذا الفصل بيين قانونية السفر وكاتبة ، هو أمر هام ،إذ أن قانوينة السفر تتوقف على محتواه أساساً وعدم اشتماله على شيء يتعارض مع سائر الأسفار . ونلاحظ أن الرسالة إلى العبرانيين تركز على أن الديانة الحقيقية هي ديانة القلب ، لا ديانة المظاهر والطقوس ( ومما يستلفت الانتباه ، أن الرسالة لا تذكر عن ملكي صادق أهم ما جاء عنه في سفر التكوين ، وهو موضوع تقديمه " الخبز الخمر " لإبراهيم ) . والتطهير الذي له أهمية في نظر الله هو تطهير الضمير من الخطية ، وليس تطهير النجاسة الطقسية . والذبيحة الوحيدة التي لها قيمتها في نظر الله لإجراء هذا التطهير ، هي ذبيحة إرادة مسلمة لله بلا أي تحفظ ، وحياة مكرسة له ، إذ قدم نفسه " لكي يحمل خطايا كثيرين " (عب 9 :28 ، انظر أيضاً إش 53 :6-11) . وليس ثمة مكان معين على الأرض لعبادة الله ، لأن بيت الله ، حيث يتجلى حضوره ويقوم المسيح المكلل بالمجد والكرامة ( عب 2 :9 ) بخدمته الكهنوتية ، أعلى من السموات – بالمعنى الروحي لا المكاني – لأن " بيته نحن ( جماعة المؤمنين ) إن تمسكنا بثقة الرجاء وافتخاره ثابتة إلى النهاية " ( عب 3: 6 ) . فلم تعد هناك مدينة أ و منطقة لها قدسية خاصة ، فالمدينة الوحيدة التي كانت تعتبر مقدسة في العهد القديم ، لم تعد كذلك لأن المسيح طُرد منها و " تألم خارج الباب " ( عب 13 :12 ) ، وعلى شعب المسيح أن يتبعوه كغرباء عن العالم ، لا يكفون مطلقاً عن خدمته ، إلى أن يصلوا إلى الراحة المعدة لهم في " المدينة التي لها الأساسات ، التي صانعها وبارئها الله " (عب 4 :9،11 :10 )
وفي عالم متقلب ، تزول فيه الحدود القديمة ، وتختفي القيم ، يبقى الهدف الثابت الوحيد هو المسيح الذي لا يتغير مطلقاً لأنه " هو هو أمسا واليوم وإلأى الأبد " ( عب 13 :8 ) ، وطريق الحكمة هو أن تواجه المجهول في رفقته ، فهو وحده صخر الدهور الذي لا يتزعزع ، وهو وحده الذي ينير أذهاننا بروحه عاملين " ما يرضي أمامه بيسوع المسيح الذي له المجد إلى أبد الآبدين . آمين " ( عب 13 :20و21 ) .
أولاً – الكاتب : لا يُعلم – على وجه اليقين – كاتب هذه الرسالة ، فقد نُسبت في الأسكندرية إلى الرسول بولس منذ منتصف القرن الثاني ، رغم اعتراف أكليمندس وأوريجانوس بوجود بعض الاعتراضات على ذلك ، فقد صرَّح أوريجانوس بأن " الله وحده يعلم حقيقة هذا الأمر " ( كما جاء في تاريخ يوسابيوس ) . ونسبها ترتليانوس إلى برنابا . ونسبها لوثر وكثيرون بعده إلى أبلوس . كما زعم " هارناك " أنها من كتابه بريسكلا . ولكن ينفي ذلك صيغة المذكر ( في اللغة اليونانية ) في قوله : " وماذا أقول أيضاً لأنه يعوزني الوقت إن أخبرت عن جدعون 0" ( عب 11 :32، فضمير المتكلم هو ضمير المذكر ) . ويرى الكثيرون أن الكاتب كان من الجيل المسيحي الثاني ( عب 2 : 3 و4 ) ، ضليعاً في اللغة اليونانية ،مما ينطبق على أبلوس أكثر مما على بولس ، وربما كانت له خلفية يهودية إسكندرية ، كما كان مقتدراً في الكتب ( انظر أع 18 : 24 و28 ) التي درسها في الترجمة السبعينية .
ثانياً – المرسل إليهم :لا يذكر في الرسالة نفسها إلى من كتبت ، مثلما لم يذكر كاتبها . فالعنوان " إلى العبرانيين " يرجع إلى الربع الأخير من القرن الثاني ، ولا يمكن الجزم بما إذا كان ذلك يستند إلى أساس صحيح . وإذا كان الأمر كذلك ، فإلى أي " عبرانيين " كُتبت ؟ من الممكن أن نستنتج من الدلائل الداخلية ، أنهم كانوا يهوداً من ذوي الثقافة الهيلينية ( اليونانية ) الذين قبلوا الإنجيل . فالمؤمنون من الأمم ، المعرضون للارتداد ، لا يعنيهم في شيء الحوار الذي يبدأ بالقول : فلو كان بالكهنوت اللاوي كمال 0000" ( عب 7 : 11 ) . فأول ما يتبادر إلى ذهن المؤمنين من الأمم ، عند قراءتهم ذلك : " مالنا ولهذا ؟ فنحن لم نظن مطلقاً أن الكهنوت اللاوي كذلك " . كما أنه لم يكن ثمة داع للإصرار على أن العهد الأول قد " عتق وشاخ " ( 8 : 13 ) . كما لم يكن هناك معنى للتحريض على الخروج إلى المسيح " خارج المحلة " ( 13 : 13 ) ، إلا لأنهم كانوا من خلفية يهودية . كما يؤكد ذلك أيضاً ثقة الكاتب في إيمانهم القوي بسلطان العهد القديم ( فلو كانوا مسيحيين معرضين للارتداد عن الإيمان المسيحي ، لكانوا بالأولى يتنكرون للعهد القديم ) . وليس من السهل تحديد مكان إقامتهم ، فربما كان ذلك في أورشليم ، أو قيصرية ، أو أنطاكية أو الإسكندرية ، أو وادي ليكوس أو أفسس أو كورنثوس أو غيرها . ولعل الأرجح أنهم كانوا جماعة يكونون كنيسة عائلية في روما ، حيث أنها المدينة التي ارتبط بها أول ذكر للرسالة ( في كتابات أكليمدنس الرومانى ، حوالي 96 م ) .
ثالثاً – المناسبة والهدف والتاريخ : كان القوم الذين كُتبت لهم الرسالة ، معرضين لخطر فقدان غيرتهم الأولى . فقد كانت غيرتهم عندما أصبحوا مسيحيين ، متقدة حتى إنهم واجهوا الاضطهاد بصبر ، وقبلوا سلب أموالهم بفرح ، ولم يتقاعسوا عن خدمة إخوتهم المؤمنين ، وبخاصة الذين وُضعوا في السجون ( انظر عب 10 : 32 – 34 ) . ولكن بمضي السنين ، فترت غيرتهم ، وبدا لهم أن مجيء المسيح ثانية – الذي كانوا ينتظرونه لهفة – قد أصبح أبعد مما توقعوا . ووجدوا أن المؤسسات اليهودية وشركة المجمع اليهودي ، التي تخلوا عنها باعتناقهم للمسيحية ، تنمو وتزدهر بتشجيع من الدولة الرومانية ، فضعفت قوة الدفع الأولى ، وأصبحوا معرضين للنظر إلى الوراء ، لا إلى الأمام . ولذلك يحرضهم الكاتب بإلحاح ، بالكثير من الصور البلاغية ، حتى لا ينجرفوا في التيار بل بالحري أن يجدفوا ضد التيار ، أن لا يستسلموا في وسط السباق ، بل أن يحاضروا بالصبر متمسكين بالإيمان . بل لعله أراد أيضاً – كما يقول وليم مانسون – أن يراهم يقومون بدورهم – مع غيرهم من المؤمنين – في الكرازة بالإنجيل للعالم أجمع بدلاً من الركود والتقهقر . ولكي يقوموا بهذا الدور كان عليهم أن يحرقوا مراكبهم ويقطعوا كل ما كان يربطهم بالنظام القديم . فتجاهل الدعوة للتقدم ، تؤدي إلى " الارتداد عن الله الحي " ( 3 : 12 ) . ولذلك يحذرهم بشدة ، وفي نفس الوقت يبدي لهم ثقته بأنهم سيُثبَّتون على محبتهم الأولى – بنعمة الله – وأنهم سيحاضرون بالصبر والإيمان .
أما عن تاريخ كتابة الرسالة ، فلابد أنها كُتبت في القرن الأول حيث جاء ذكرها في كتابات أكليمندس الروماني (حوالي 96 م ) . كما يتضح من الرسالة نفسها ( 2: 3 و4 ) أن الكاتب وقّْراءة قبلوا الإنجيل من أناس قد سمعوا الرب نفسه . ولكن ليس من السهل الجزم بكتابتها قبل أو بعد تدمير الهيكل في أورشليم في 70 م . فيبدو من الرسالة أنه يُشار إلى الذبائح والخدمة في الهيكل ، في صيغة المضارع اي بأعتبارها أموراً قائمة. . ولكن البعض يقول إن صيغة المضارع هنا ، هي " صيغة بلاغية " مبنية على فرائض الناموس ، وليس على ما يجري في الواقع . ولكن لو أن الهيكل كان قد زال ، وانقطع تقديم الذبائح ، لما فات الكاتب أن يشير إلى ذلك ، ويتخذ منه حجة يدعم بها أقواله . كما أنه يقول : و" أما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال " ( عب 8 : 13 ) ، لذلك فالأرجح أن الرسالة كتبت قبل 70 م .
وإذا كانت الرسالة قد كُتبت إلى مؤمنين في روما ، لكان معنى ذلك أنها كُتبت قبل 64 م ، حيث يكتب لهم قائلاً: لم تقاموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية " ( 12 : 4 ) ، أي أنهم لم يتعرضوا للاستشهاد من أجل إيمانهم ، أي أن الرسالة كُتبت قبل الاضطهاد في زمن نيرون ( أما الاضطهاد الذي يشير إليه في 10 : 32-34 الذي لم يتضمن الاستشهاد ، فلعله كان يشير إلى طرد اليهود من روما في 49 م. المذكور في أع 18 : 2 ) .
رابعاً – ملخص الرسالة : يصف الكاتب رسالته بأنها " كلمة وعظ " ( 13 : 22 ) ، وهي عبارة وردت في سفر أعمال الرسل ( 13 : 15 ) ، عن الوعظ في المجمع . فالرسالة – في الحقيقة – عبارة عن موعظة رائعة البناء ، اضطرته الظروف إلى تسجيلها كتابةً ، عوضاً عن إلقائها شفاهاَ .
( أ ) الإنجيل هو كلمة الله الأخيرة ( 1 : 1 –2 : 18 ) .
(1) إعلان الله الكامل في ابنه ( 1 : 1 –4 ) .
(1) المسيح أعظم من الملائكة ( 1 : 5 –14 ) .
(2) التحذير الأول : الإنجيل والناموس ( 2 : 1-4 ) .
(3) اتضاع ابن الإنسان ومجده ( 2 : 5-9 ) .
(4) ابن الإنسان هو مخلص شعبه ، ورئيس الكهنة العظيم ( 2 :10 –18 ) .
( ب ) الموطن الحقيقي لشعب الله ( 3 : 1-4 :13 ) :
(1) يسوع أعظم من موسى ( 3 : 1 –6 ) .
(2) التحذير الثاني : إن رفض يسوع لأخطر من رفض موسى ( 3 : 7 –19 ) .
(3) يمكن فقدان راحة الله الحقيقية ( 4 :11 –13 ) .
(جـ) المسيح رئيس الكهنة العظيم ( 4 :14- 6: 20 ) :
(1) في خدمة المسيح كرئيس الكهنة ، تشجيع لشعبه ( 4 :14 -16 ) .
(2) المؤهلات اللازمة لرياسة الكهنوت ( 5 :1-4 ) .
(3) مؤهلات المسيح لذلك ( 5 :5-10) .
(4) التحذير الثالث : عدم النضج الروحى ( 5 :11-14 ).
(5) عدم وجود بداية ثانية ( 6 :1-8 ) .
(6) التحريض على الاجتهاد والمثابرة ( 6 :9-12 ) .
(7) ثبات وعد الله ( 6 :13-20 ) .
(د) رتبة ملكي صادق ( 7 :1 – .. ) :
(1) ملكي صادق الكاهن الملك ( 7 :1-3 ) .
(2) عظمة ملكي صادق ( 7 :4-10 ) .
(3 ) عدم كمال كهنوت هارون ( 7 :11-14 ) .
(4 ) سمو الكهنوت الجديد ( 7 :15-19) .
(5) سموه لأنه بقسم من الله ( 7 :20-22 ) .
(5) سموه لأنه أبدي لا يزول ( 7 :23-25 ) .
(6) سموه لأنه، يسوع المسيح قدوس بلا شر ولا دنس ( 7 :26-28 ).
(هـ) العهد ، والمسكن ، والذبيحة ( 8 :1-10 :18 ) .
(1) الكهنوت والعهد ( 8 :1-7 ) .
(2) إبطال العهد الأول ( 8 :8-13 ) .
(3) المسكن في العهد الأول (9 :1-5 ) .
(4) طقوس وقتية ( 9 : 6-10 ) .
(5) فداء المسيح فداء أبدي (9 :11-14 ) .
(6) وسيط العهد الجديد ( 9 :15-22 ) .
(7) الذبيحة الكاملة ( 9 :23-28 ) .
( النظام القديم كان ظلاً للحقيقة ( 10 :1-4) .
(9) النظام الجديد هو الحقيقة عينها ( 10 :5-10 ) .
(10) جلوس رئيس الكهنة على العرش إلى الأبد ( 10 :11-18 ) .
(و) الدعوة للعبادة والإيمان والمثابرة ( 10 :19 –12 :29 ) .
(1) الاقتراب لله على أساس ذبيحة المسيح (10 :19-25 ) .
(2) التحذير الرابع : خطية الارتداد الإرادية ( 10 :26-31) .
(3) الدعوة للمثابرة ( 10 :32-39 ) .
(4) إيمان القدماء ( 11 :1 –40 )
(I ) مقدمة : طبيعة الإيمان ( 11 :1-3 ) .
( II) إيمان من عاشوا الطوفان ( 11 : 4-7 ) .
(III ) إيمان إبراهيم وسارة ( 11 :8-12 ) .
( IV )مدينة الله هي موطن المؤمنين ( 11 :13-16 ) .
(V ) إيمان الآباء ( 11 :17-22 ) .
( VI ) إيمان موسى (11 :23-28 ) .
( VII ) إيمان الخروج والاستقرار ( 11 :29-31 ) .
(VIII ) أمثلة أخرى للإيمان ( 11 :32-38 ( .
( IX ) خاتمة : غاية الإيمان تتحقق في المسيح ( 11 :39و40 ) .
( 5 ) يسوع رئيس ( رائد ) الإيمان ومكمله ( 12 :1-3 ) .
(6 ) التأديب للابن ( 12 :4-11 ) .
( 7 ) الدعوة للعمل ( 12 :12-17 ) .
(8 ) سيناء الأرضية ، وصهيون السماوية ( 12 :18-24 ) .
( 9 ) يجب الانتباه لصوت الله ( 12 :25-29 ) .
(ز) تحريض ختامي وصلاة ( 13 :1-21 ) .
(1) وصايا أدبية ( 13 :1-6 ) .
(2) أمثلة للسير على نهجها ( 13 :7و8 ) .
(3) ذبائح المؤمنين الحقيقية ( 13 :9-16 ) .
(4) الخضوع للمرشدين ( 13 :17 ) .
(5) التحريض على الصلاة ( 13 :18و19 ) .
(6) صلاة وتحية ( 13 :20و21 ) .
(ح ) حاشية ( 13 :22-25 ) .
( 1) ملحوظة شخصية ( 13 :22و23 ) .
(2 ) تحية ختامية وطلب النعمة لهم ( 13 :24و25 ) .
خامسا – العلاقة بين الرسالة والتعليم الرسولي : حيث أن الرسالة إلى العبرانيين تمثل مدرسة فكرية متميزة بين أسفار العهد الجديد ، يصبح من المهم مقارنة الإنجيل كما تعلنه هذه الرسالة ، بالإنجيل في سائر أسفار العهد الجديد ، لكي نكشف أنه – فيما يتعلق بالأمور الأساسية – هو نفس الإنجيل الواحد .
لقد بدأ العهد الجديد ، وتمت نبوات العهد القديم ، وظهر " يسوع ابن الله " ( عب 4: 14 ) " مرة عند انقضاء الدهور " ( 9 : 26 ) . وهو في أزليته ، حكمة الله ، فهو " الذي به أيضاً عمل العالمين " (3 :1-3 ، ارجع أيضا إلى يو 1 :1-3 ، كو 1 : 15-17 ، رؤ 3 :14 ).
كما أن مجيئة حسب الجسد من نسل داود ، نجده متضمناً في القول إنه " قد طلع من سبط يهوذا " ( عب 7 :14 ) ، وظروف موته أمر معلوم ( 13 :12 ) ، وأنه قد احتمل الموت " ليبطل الخطية " ( 9 :26 ، انظر أيضا رومية 4 : 25 ، 1كو 15 : 3 ) ، وقيامته أمر مقطوع به لا يحتاج إلى إثبات ( 13 :20 ) ، كما أنها أمر جلي واضح في صعوده وجلوسه في يمين العظمة في الأعالي ( 1 :3 ) . و " هو حي في كل حين ليشفع " في المؤمنين ( 7 :25-انظر أيضاً رو8 :34 ، في 2 : 9-11 ) . كما أن مجيئه ثانية– المنتظر بكل يقين ( عب10 :37 ) – سيتم به خلاص شعبه نهائيا ( 9 : 28 ) . وإلى أن يأتي ثانية ، يسكن فيهم الروح القدس الذي منحهم المواهب " حسب إرادته " (2 :4 ، انظر أيضاً 1كو 12 :4-11،غل 3 :2-5 ) .
سادسا – سياق الرسالة : يؤكد الكاتب أن الإنجيل هو إعلان الله النهائي والكامل للإنسان . ويقارن بين الإنجيل وكل ما سبقه ، وبخاصة النظام اللاوي . وإذ يؤكد كمال عمل المسيح وكمال شخصه ، يقدم الإنجيل كالطريق الوحيد للاقتراب إلى الله اقتراباً لا يعوقه شيء .
كما يثبت أن المسيح أعظم من جميع خدام الله وأنبيائه الذين سبقوه ، سواء كانوا بشرا مثل موسى ( عب 3:3 ) ، أو الملائكة (1 :4 ) الذين أعطى الناموس عن طرقهم (2 :2 ). فالمسيح هو ابن الله ، به خلق العالمين ، وبه يحفظ الكون ( 1:1-3 ) ، ومع ذلك فهو نفسه – كابن الإنسان – اتضع وأطاع حتى الموت ( 2 :5-8 ) ، ولكنه الآن ارتفع فوق السموات وجلس عن يمين العظمة في الأعالي ، ممثلاً لشعبه (1 :3 ،4 :14 ) . ويشبه هذه الخدمة بخدمة رئيس الكهنة في العهد القديم ،والرسالة إلى العبرانين هي السفر الوحيد - الذي يستخدم هذه اللغة الصريحة في الكلام عن يسوع . ويبنى ذلك – جزئياً – على ما جاء في المزمور (110 :4 ) الذي أعلن أن المسيا – الذي سيجيء من نسل داود ، حسب الجسد – هو كاهن إلى الأبد ، ثم على الحقائق التاريخية عن حياة الرب يسوع . وبينما نجد الآية الأولى من " مزمور 110 " كثيراً ما تقتبس في العهد الجديد ، فإن الآية الرابعة لا تقتبس إلا في هذه الرسالة ( عب 5 :6 ) .ففي الآية الأولى ، نجد المسيا ملكاً جالساً عن يمين الله ، بينما نجده في الآية الرابعة من المزمور " كاهناً إلى الأبد " . ويشرح الكاتب كهنوت ملكي صادق ( عب 7 :1-22 ) ، مستشهداً بما جاء عنه في سفر التكوين (14 :18 –20 ) ، لا على أساس ما قيل عنه فحسب ، بل أيضاً على أساس ما لم يقل عنه . ويدعم أقواله عن الكهنوت المسيح بذكر مواصفات المسيح التي تؤهله لهذا المركز ، فلم يكن " قدوساً بلا شر ولا دنس ، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات " (7 :26 ) فحسب ، بل " قد جُرِّب في كل شيء مثلنا بلا خطية " لذلك " يقدر أن يعين المجربين " ( عب 2 :18 ،4 :15 و16 ، 5 :7-10).
ونجد إشارات إلى خطية يسوع الشفاعية في الأناجيل (أنظر مثلاً لو 12 :8،22 :32،يو 17 :6-26 ) ، وكذلك في الرسائل (انظر رومية 8 :34،1يو 2 :1و2 ) ، ولكن نجد الكلام عنها بالتفصيل في الرسالة إلى العبرانيين ، حيث يؤكد بقوة أن كهنوته ليس أفضل من كهنوت هارون ونسله ( عب7 :11-19،8 :6-13 ) . وهذا العهد الجديد يرتبط بذبيحة أفضل من كل ما سبق (9 :23) ، وبمسكن أفضل من كل ما في هذه الخليقة (9 :11 ), فالكهنوت والذبيحة أمران لا ينفصلان ، فكان الكهنة ، نسل هارون ، يقدمون على الدوام ذبائح حيوانية (7 :27) ، وبخاصة " ذبيحة الخطية " السنوية في يوم الكفارة (9 :7 ) . ولكن كل هذه الذبائح لم تكن تسد حاجة الإنسان (10 :4 ) ، لأنها لم تكن تستطيع أن تطهر الضمير من دنس الخطية ، التي تقف حائلاً منيعاً دون الشركة مع الله (9 :9 ) . أما خدمة المسيح الكهنوتية فتقوم على أساس ذبيحة حقيقية تطوعية فعَّالة ، هي " ذبيحة نفسه " (9 :26 ) ، فهي وحدها - دون سائر الذبائح – التي تطهر ضمير الإنسان ليستطيع بعد ذلك أن يخدم " الله الحي " (9 :14 ).
ويرى الكاتب هذه الذبيحة الكاملة في المزمور الأربعين ، حيث يقول الرب ، بلسان النبوة : " بذبيحة وتقدمة لم تسر 0000محرقة وذبيحة خطية لم تطلب . حينئذ قلت : هأنذا جئت بدرج الكتاب مكتوب عنى : أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت وشريعتك في وسط أحشائي " ( مز 40 :6-8، انظر عب 10 :5-9 ) . فهوذا إذ جاء " في الجسد " ، الذي هيأه له الله ( وعبارة : هيأت لي جسداً " هي الترجمة السبعينية لعبارة " أذنى فتحت " ) ، قد تمم مشيئة الله في حياته وفي موته على السواء . وبهذه الذبيحة – في طاعة كاملة لمشيئة الله – أصبح المؤمنون " مقدسين بتقديم جسد المسيح مرة واحدة " (عب 10 :10و22) . وهذه الأقوال المبنية على تفسير كلمة الله ، في العهد القديم ، والتي أيدها اختبار المؤمنين عملياً على مدى جيل كامل منذ موت المسيح وقيامته ظافراً ، إذ أيقنوا في حياتهم من كفاية ذبيحته وشفاعته ، تؤكد أن هذه الذبيحة ( على عكس ذبائح النظام اللاوي ) لا تتكرر ، فهي " مرة واحد’ " وإلى الأبد ، لأنه " بعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة ، جلس إلى الأبد عن يمين الله 000لأنه بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين " (10 :12 و14 ) .ولهذا جاء هذا التحذير الخطير : " فكم عقاباً أشر تظنون أنه يحسب مستحقاً من داس ابن الله ، وحسب دم العهد الذي قُدِّس به دنساً وازدرى بروح النعمة " ( 10 :29 ) .
وما كان المؤمنون – الذين كتب إليهم – في حاجة إليه ، هو أن يتعلموا الاحتمال بصبر ، وأن يتمسكوا بإقرار إيمانهم إلى النهاية ، ولا ينال منهم الإحباط لـتأخر تحقيق الرجاء : " لأنه بعد قليل جداً ، سيأتي الآتي ولا يبطيء " ( 10 :36-39 ) . ولابد أن يتشجعوا بأمثلة مؤمني العهد القديم ( من رجال ونساء ) ، رغم أنهم لم يشهدوا تحقيق المواعيد ( 11 :1-40 ) ، بل أعظم مثال يشجعهم على الصبر والمثابرة على الجهاد في طاعة الله ، هو المسيح نفسه الذي " احتمل الصليب مستهيناً بالخزي ، فجلس في يمين عرش الله " (12 :1-17 ) ، ولأنهم " قابلون ملكوتاً لا يتزعزع " ، عليهم أن يقطعوا كل ما يربطهم بالماضي ، وأن يتبعوا المسيح إلى " خارج المحلة حاملين عاره " إلى " المدينة العتيدة " (عب12 :28-13 :14 ) .
سابعاً – قانونية الرسالة وأصالتها : أخذت هذه الرسالة وضعها بين أسفار العهد الجديد ، منذ أن أدرجها –في القرن الثاني – أحد الآباء ( والأرجح أنه من أباء الإسكندرية ) في مجموعة رسائل الرسول بولس . والأمر المؤكد أنه منذ زمن " بانتينوس " ( حوالي 180م – وهو أستاذ أوريجانوس ) لم يعترض أحد ، من الآباء بالكنيسة في الشرق ، على قانونيتها . ورغم عدم جزم أوريجانوس باسم كاتبها ، إلا أنه لم يشك إطلاقاً في قانونيتها ، وقد أدرج يوسابيوس القيصري مؤرخ الكنيسة ، " الرسالة إلى العبرانيين " بين الأسفار المعترف تماماً بقانونيتها ، رغم أنه لم يَفُته أن البعض قد نحاها جانباً ، لأن كنيسة روما لم تعترف بأنها من كتابات بولس . أما " أفرايم " ( حوالي 350 م ) وغيره من الآباء السريان ، فقد قبلوها منذ البداية ، ونسبوها إلى الرسول بولس . كما أن " البشيطة " السريانية – من أوائل القرن الخامس – قد اشتملت عليها دون سائر الرسائل الجامعة .
أما في الغرب فقد كان الموقف منها مختلفاً ، فرغم أن روما كانت أول مكان عُرفت فيه الرسالة ، قبل نهاية القرن الأول ، لكن لم يُعترف بقانونيتها في الغرب إلا في القرن الرابع ، وذلك باعتبار أنها ليست من كتابات أحد الرسل ، وأخيراً رأت كنيسة روما ألا تشذ عن كنائس الشرق في الاعتراف بها ،وبخاصة بتأثير أثناسيوس الرسولي الذي قضى مدة نفيه في روما ( 343- 346م ) . وكان لا يريناوس أسقف ليون بعض التحفظات عليها ، رغم أنه ينتمي أصلاً لولاية أسيا .
ولعل ما جعل الكنيسة في الغرب تتردد في الاعتراف بها ، هو أنها كانت لا تعترف إلا بما كتبه أحد الرسل . وقد قبل جيروم وأغسطينوس " الرسالة إلى العبرانيين " على أساس أنها من الرسول بولس ، كما اعترف بها مجمع " هبو " (_393 م ) ، ومجمع قرطاجنة (397م ) ، إذ جاء في القرارات التي صدرت عنهما : " للرسول بولس ثلاث عشرة رسالة ، ولنفس الرسول: الرسالة إلى العبرانيين " .
وعندما أثير الموضوع من جديد في عهد الإصلاح ، رفض لوثر الاعتراف بأن الرسالة من كتابات الرسول بولس ، وأعطاها مكاناً ثانوياً لأنه وجد فيها – حسب رأيه- " خشباً وعشباً وقشاً " . كما أن كلفن لم يقر بأن الرسول بولس هو كاتبها ، ولكنه أكد قائلاً : " إنني أضعها – بدون أي تردد – بين كتابات الرسل ، ليس باعتبار كاتبها ، بل بالنسبة لتعليمها وأصالتها " . وأوضح تقديره لها بالقول : " ليس في جميع الأسفار المقدسة ، سفر يتحدث بهذا الوضوح عن كهنوت المسيح ، ويعظِّم – إلى أقصى حد – قيمة وكفاية الذبيحة الحقيقية الوحيدة التي قدمها بموته ، ويعالج بإسهاب موضوع الطقوس وإبطالها . وبالإيجاز ، لا يوجد سفر آخر يبين – بكل جلاء – أن المسيح هو غاية الناموس . لذلك ، دعنا لا نسمح لكنيسة الله ، ولا لأنفسنا ، أن نحرم من فائدة عظيمة بهذا المقدار ، بل بالحري علينا أن ندافع عنها بكل قوانا " . ولاشك أن هذا الفصل بيين قانونية السفر وكاتبة ، هو أمر هام ،إذ أن قانوينة السفر تتوقف على محتواه أساساً وعدم اشتماله على شيء يتعارض مع سائر الأسفار . ونلاحظ أن الرسالة إلى العبرانيين تركز على أن الديانة الحقيقية هي ديانة القلب ، لا ديانة المظاهر والطقوس ( ومما يستلفت الانتباه ، أن الرسالة لا تذكر عن ملكي صادق أهم ما جاء عنه في سفر التكوين ، وهو موضوع تقديمه " الخبز الخمر " لإبراهيم ) . والتطهير الذي له أهمية في نظر الله هو تطهير الضمير من الخطية ، وليس تطهير النجاسة الطقسية . والذبيحة الوحيدة التي لها قيمتها في نظر الله لإجراء هذا التطهير ، هي ذبيحة إرادة مسلمة لله بلا أي تحفظ ، وحياة مكرسة له ، إذ قدم نفسه " لكي يحمل خطايا كثيرين " (عب 9 :28 ، انظر أيضاً إش 53 :6-11) . وليس ثمة مكان معين على الأرض لعبادة الله ، لأن بيت الله ، حيث يتجلى حضوره ويقوم المسيح المكلل بالمجد والكرامة ( عب 2 :9 ) بخدمته الكهنوتية ، أعلى من السموات – بالمعنى الروحي لا المكاني – لأن " بيته نحن ( جماعة المؤمنين ) إن تمسكنا بثقة الرجاء وافتخاره ثابتة إلى النهاية " ( عب 3: 6 ) . فلم تعد هناك مدينة أ و منطقة لها قدسية خاصة ، فالمدينة الوحيدة التي كانت تعتبر مقدسة في العهد القديم ، لم تعد كذلك لأن المسيح طُرد منها و " تألم خارج الباب " ( عب 13 :12 ) ، وعلى شعب المسيح أن يتبعوه كغرباء عن العالم ، لا يكفون مطلقاً عن خدمته ، إلى أن يصلوا إلى الراحة المعدة لهم في " المدينة التي لها الأساسات ، التي صانعها وبارئها الله " (عب 4 :9،11 :10 )
وفي عالم متقلب ، تزول فيه الحدود القديمة ، وتختفي القيم ، يبقى الهدف الثابت الوحيد هو المسيح الذي لا يتغير مطلقاً لأنه " هو هو أمسا واليوم وإلأى الأبد " ( عب 13 :8 ) ، وطريق الحكمة هو أن تواجه المجهول في رفقته ، فهو وحده صخر الدهور الذي لا يتزعزع ، وهو وحده الذي ينير أذهاننا بروحه عاملين " ما يرضي أمامه بيسوع المسيح الذي له المجد إلى أبد الآبدين . آمين " ( عب 13 :20و21 ) .
ابو ماضى- مراقب عام المنتدى
- عدد المساهمات : 440
تاريخ التسجيل : 23/05/2010
العمر : 51
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى