أبيكوريون
مارجرجس والشهداء :: الثاتية :: المزامير :: السنكسار :: الثالثة :: أقوال الاباء :: الرابعة :: شخصيات من الكتاب المقدس
صفحة 1 من اصل 1
أبيكوريون
أبيكوريون
لقد تقابل بولس مع الأبيكوريين والرواقيين في أثينا ( أع 17 : 18 ) وكان الأبيكوريون أتباع أبيكورس الفيلسوف الذي ولد في ساموس في سنة 340 ق.م. وعلم أولاً في أسيا الصغرى ، وبعد ذلك في أثينا إلى أن مات في سنة 270 ق.م وقد حافظ على أسلوب واحد في تعليمه من بدء حياته إلى نهايتها ، على عكس غيره من الفلاسفة . ويمكننا معرفة آراء معارضي بولس من تعليم أبيكورس ( أبيقور ) :
1- الأسباب الاجتماعية والسياسية : إن الظروف التي قامت فيها الفلسفتان الأ بيكورية والرواقية كانت ظروفاً اجتماعية وسياسية أكثر منها ثقافية . فقد بلغت الأبحاث الفكرية ذروتها في الأسلوب الاستنتاجي لأفلاطون ، والأسلوب الموسوعي لأرسطو ، وكان لابد أن يؤدي نقد هذين الأسلوبين إلى التعمق في معنى الاختبار ، كما فعل " كانت " في عصور متأخرة ، ولكن الأحوال وقتئذ لم تكن مواتية للتأمل المجرد ، فقد أدى انحلال ولايات المدن اليونانية وانتهاء استقلال اليونان إلى أن تمتليء أفكار الناس بالاحساس بعدم الأمان . فكل قيم وقوانين وعادات المجتمع التي كانت تظلل الفرد حتى ذلك الوقت ، قد انهارت وسعي الناس أن يجدوا في يالفلسفة ميناء للراحة لنفوسهم الشريدة المتعبة ، وبذلك أصبحت الفلسفة نظرية للسلوك وفقاً للحياة .
قد استنكر أبيكورس السعي للمعرفة من أجل المعرفة سواء كانت فلسفة أو علماً ، ووجه أبحاثه إلى السؤ الين العمليين : ماهو هدف الحياة ؟ وكيف نبلغه ؟ وعرف الفلســــــــــــفة بأنها " الانشغال يومياً بالحديث والفكر لضمان حياة سعيدة " .
2- مذهب اللذة الأنانية : لذلك كان تعليم أبيقور الأخلاقي هو العامل المركزي الحاكم في فلسفته ، وهو نوع من المتعة الأنانية ، وقد سبق أن علم بنفس هذه المباديء العامة أرستيبوس ومدرسته والقيروانيون قبل ذلك بقرن من الزمان ، وقد انتعشت فلسفتهم في القرن السابع عشر في انجلترا على يد توماس هوبس .
إن هدف الحياة وغايتها بالنسبة لكل إنسان هما سعادته الشخصية ، والسعادة هي اللذة ، لذلك نحن نسمى اللذة ألف وياء الحياة السعيدة ، فاللذة هي الخير الأول لنا ، هي نقطة البداية لكل اختيار ولكل كراهية ، وإليها نرجع باعتبارها القاعدة التي نحكم بها كل شيء صالح . وإلى هنا يبدو أن أبيقور إنما يكرر أراء القيروانيين ، ولكن هناك اختلافات هامة ، فأرستيبوس كان يعتقد أن لذة اللحظة هي نهاية الأمر ، بينما علم أبيقور أننا يجب أن نحيا الحياة بحيث نضمن أكبر قدر من اللذة في كل مسيرة الحياة ، وبهذه النظرة الواسعة أصبحت اللذة العقلية تشغل مكاناً أعظم من لذات الجسد ، فالسعادة لا تكمن في إشباع الشهوات ، بقدر ماتكمن في قمع هذه الرغبات والوصول إلى حالة من الاستقلال في كل الظروف ، مما يضمن سلام العقل ، فلا يمكن لاعواز الحياة وتقلباتها أن تعكر صفوه ، فرغبات الإنسان متنوعة : " بعضها طبيعي وبعضها لا أساس له . والرغبات الطبيعية ، منها ماهو ضروري كما هو طبيعي ، ومنها ماهو طبيعي فقط . ومن الرغبات الضرورية ما هو لازم لسعادتنا ، وما هو لازم لإراحة أجسادنا ، وما هو لازم لمجرد الحياة . ويجب أن يكون هدف الإنسان أن يقمع كل الرغبات غير الضرورية وبخاصة الرغبات المصطنعة . فالعلم والثقافة والحضارة وارتباكات الحياة الاجتماعية والسياسية أمور محرمة ، مثلما كانت عند مدرسة الفلاسفة الكلبيين لأنها تعكر سلام العقل . وقد قُرن هذا التعليم بتعليم روسو بل وبتعليم بوذا " .
1-العودة للطبيعة : فأبيقور - مثله مثل روسو - يحبذ ابتعاد الحياة عن تعقيدات وارتباكات المدنية ، إلى ضرورات الطبيعة المجردة ، ولكنه لا يصل إلى المدى الذي ينادي به تعليم النرفانا ، لأنه يعتبر الحياة والرغبة في الحياة أمرين صالحين . بل إنه يرتفع فوق المذهب الطبيعي إلى رؤى شبيهة بالروحانية الحديثة بتأكيده سيادة العقل على الظروف المضـــــــــادة ، " فالرجل الحكيم يظل سعيداً حتى وهو يعذب على آلة التعذيب " .
4- راحة البال : وتعريف أبيقور لغاية الحياة والسبيل إليها ، يحمل شبهاً سطحياً لفكر معارضيه الرواقيين . فالغاية عند الاثنين هي راحة البال أو رباطة الجأش ، أو سلام العقل الذي يسمو على كل الظروف ، والسبيل إلى ذلك هو الحياة حسب الطبيعة ، ولكن الطبيعة ، عند أبيقور - هي جسدية ومادية ، وأقصى سعادة يمكن بلوغها هي إنعدام الألم تماماً .
5-اللذة هي انعدام الألم : وهو يحتج على اعتبار تعليمه لا أخلاقياً فاسداً : " عندما نقول - إذا - إن اللذة هي الغاية والهدف ، فنحن لانعني لذات المسرفين أو اللذات الحسية ، كما يظن البعض عن جهل وتحامل وسوء فهم مقصود . إننا نعني باللذة انعدام الألم في الجسد وانعدام القلق في الفكر " . ولقد تميزت حياته بالبساطة والزهد ، ومراعاة الأصـدقاء بكل رفق ، ولكن نظريته كانت كفيلة بخدمة أغراض الناس الأردياء لتبرير الإباحية والأنانية .
6- العقد الاجتماعي : كانت العدالة والأخلاقيات المألوفة تعتبر عنده نتيجة لمنطلق اجتماعي أصيل - كما اعتقد هوبس وروسو - ويقوم على اهتمام الأفــراد بذواتهم وسعادتهم ، فالاخلاقيات المألوفة ، ليس من دافع لها أقوى من رغبة الفرد في ضمــان سعادته . وفي مقابل الانتهاك العام للقانون الأخلاقي ، فإن الدافع يجد سنده في النظام الاجتماعي وما يوقعه من جزاء . والمانع الوحيد من المفاسد السرية إنما هو الخوف من أن تكتشف ، وما ينتج حتماً عن هذا الخوف نفسه من اضطراب في الشخصية . والصداقة - وهي الفضيلة العظمى عند الأبيكوريين - إنما تقوم على نفس الاعتبار من الأنانية ، ويجب أن تغرس ، من أجل ما تثمره من سعادة لأصحابها . والعيب الأساسي في هذه النظرية هو فرديتها المتطرفة التي تؤدي إلى الأنانية المدروسة والتي تنكر أي قيمة ذاتية للفضائل الاجتماعية في أنشطة الحياة .
7- النظرية الذرية : لم يهتم أبيقور بالمعرفة لذاتها ، سواء للعالم الخارجي أو للحقيقة الأسمى ، ولكنه وجد عقول الناس مشحونة بأفكار عن العالم وخلود الآلهة ، مما عكر سلامهم وملأهم بشهوات ومخاوف باطلة . فكان من اللازم للغايات العلمية لفلسفته أن يجد نظرية للأشياء التي خارج الإنسان والتي يمكن أن تمنحه هدوء البال وصفاء الذهن .
ولهذا الغرض رجع أبيقور إلى نظرية ديموقريطس الذرية عن العالم ، فمكونات الكون الأصلية - التي لا يمكن تعليلها - كانت ذرات وفضاء وحركة ، وبناء على قانون ثابت من قوانين القضاء والقدر تحركت الذرات في الفضاء لتشكل العالم الذي نعرفه . ونفس الضرورة الثابتة هي التي تحفظ وتحدد النظام القائم لكل ما هو كائن . وقد طور أبيقور هذا النظام لكي يسمح بحرية أولية للذرات مما مكنها أن تنحرف قليلاً عن مسارها ، فتساقطت كالمطر في الفضاء وتصادمت واتحدت واكتسبت حركات دائرية ، بها تكونت العوالم وكل ما فيها ، ولكنه لم يذهب بفكره عن الحرية في الطبيعة وفي الإنسان إلى ما وراء ضرورات نظريته .
8- المذهب المادي : والطبيعة المادية الكاملة لطبيعة الكون عنده ، منعته من استنتاج عالم أدبي . وبهذه النظرية ، تخلص من دواعي الخوف والقلق التي تعكر صفو الذهن البشري . فالغائية والعناية والنظام الأدبي للكون ، وتصرفات الآلهة الاستبدادية ، والقدر الأعمى ، والفجــور ، والجحيم ، والجزاء والعقاب بعد الموت ، هذه جميعها لا وجود لها في كون تتحرك فيه الذرات كما تشاء . والنفس مثلها مثل الجسد مكونة من ذرات ، ولكنها ذرات من نسيج أدق وأرق ، وبالموت ينحل كلاهما وينتهيان .
9- نظرية الأفكار : ومن نفس هذه المقدمات ، لابد أن نتوقع الإنكار الكامل لوجود أي كائنات سماوية ، ولكن من غرابة هذا النظام أن نظرية مادية بهذه الصورة للمعرفة تطلب تأكيد وجود الآلهة . وأفكار الناس ناتجة عن أغشية مادية رقيقة تنتقل من الأشياء المحيطة إلى مادة العقل الملائمة لها ، ومن ثم فإن كل فكر لابد أن ينتج عن شيء مقابل .
10 - آلهة أبيكورس : فالناس عموماً لديهم أفكار عن آلهة ، فلا بد أن يكون الآلهة موجودين لكي تتولد هذه الأفكار التي تأتي للإنسان في النوم والأحلام ، ولكنها ليست مثل الآلهة التي يؤمن الناس بوجودها ، بل هي آلهة مكونة من نفس المادة الذرية مثل الإنسان . ولكن من نسيج أرق ، وهو يسكنون في الفضاء خارج العوالم ، حيث لا تستطيع هموم الأرض وانحلال الموت أن تصل إليهم ، ولذلك فهم لا يعرفون شيئاً عن العالم بكل آلامه ومتاعبه ، ولا يمكن إطلاقاً أن يهتموا به ، هذه هي آلهة الحكيم الأبيكوري ، وهي بعيدة كل البعد عن صخب العالم ، في راحة تامة ومكتفية بما تمنحه لها الطبيعة بسخاء " لأن طبيعة الآلهة يجب بالضرورة أن تتمتع بالخلود في راحة مطلقة بعيداً جداً عن اهتماماتنا ، وحيث أنها غير معرضة للألم وبعيدة عن كل خطر ، وقوية في مواردها ، لا يعوزها شيء منا ، فهي لا تسترضي باحسان ولا تتعرض للغضب " فهو يحظر كل دين ولكنه يحتفظ بالآلهة . ففشل أبيقور في متابعة منطق نظريته في إنكار الآلهة ، أعمق من نظريته عن الأفكار ، فقد تأثر بالحقيقة : إن " إجماعاً ثابتاً يسود جميع الناس بلا استثناء " على وجود الآلهة " فالوعي بوجود آلهة لا يسمح له بنكران وجود الله كلية ، ومن هنا جاءت محاولته لتفسير الحقيقة بما لا يتعارض مع نظريته " ( ولاس : الأبيكورية ص 209 ) .
11- أسباب النجاح : ولقد جذب أبيقور خلال حياته أعداداً كبيرة إلى عقيدته ، التي ظلت مزدهرة إلى العصر المسيحي . وقد قدمها للعالم الروماني الشاعر لوكرتيوس " عالم الطبيعة " الذي مازال المصدر الرئيسي للعلم بها . ولقد عملت جاذبيته وأخلاقه الشخصية على جذب أعداد من الناس إليه ، ورفعته إلى منزلة الحكيم المثالي الذي تتجسد فيه مدرسة الفلسفة . فقد كانت نظريته واضحة وسهلة الفهم على الرجل العادي ، كما قدمت تفسيراً معقولاً للحياة لمن لم يستطيعوا أن يهضموا أفكار غيرها من المدارس الفلسفية . ولقد لقي تعليمها الأدبي استجابة سريعة - في كل ماهو دنيوي ومألوف ومرغوب - عند الناس الذين فقدوا مثلهم العليا وحماستهم القوية . وفوق كل شيء لقد أنقذت الناس من رعب الخرافات المظلمة التي حلت محل الدين . إنه لدليل قوي على عدم كفاية الديانة اليونانية ، أن يبعد أبيقور الآلهة عن العالم المنظور بدون إحساس بأي خسارة ، بل بالحري مع الإحساس بالارتياح والتحرر .
12- التعارض التام مع تعليم الرسول بولس : كان من المحتم أن يثير الرسول بولس هذه المدرسة لتقوم في وجهه . فقد جاء إلى أثينا يعلم عن إله صار إنساناً وتألم ومات في أسمى درجات البذل للنفس ، وقام من الأموات ليعيش بين الناس مرشداً ومشكلاً لحياتهم ، وفي النهاية سيدين جميع الناس حسب أعمالهم ثواباً أو عقاباً ، في عالم المستقبل . وكان هذا عند الأبيكوريين إحياء لكل الخرافات القديمة البغيضة ، ولم يكن هذا عندهم مجـــرد حماقة ، بل هو الجحود نفسه ، فقد قال أبيقور " ليس الإنسان الذي ينكر الآلهة التي يعبدها الكثيرون هو الجاحد ، بل الجاحد هو الذي يؤكد ما يعتقده الكثيرون عن الآلهة " .
ابو ماضى- مراقب عام المنتدى
- عدد المساهمات : 440
تاريخ التسجيل : 23/05/2010
العمر : 51
مارجرجس والشهداء :: الثاتية :: المزامير :: السنكسار :: الثالثة :: أقوال الاباء :: الرابعة :: شخصيات من الكتاب المقدس
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى