رحلة داخل قلب.. سفير الطب الفرعوني البروفيسير العالمي د. مجدي يعقوب
صفحة 1 من اصل 1
رحلة داخل قلب.. سفير الطب الفرعوني البروفيسير العالمي د. مجدي يعقوب
رحلة داخل قلب.. سفير الطب الفرعوني البروفيسير العالمي د. مجدي يعقوب:مصر جزء مني, وأعبر عن حبي لها بعلاج أي مصري
جريدة وطنى 15/12/2009م إيفا روماني
شعار الدكتور مجدي طوال رحلة رائعة صعبة..
القمة تحتاج دائما إلي بذل العرق والجهد
قدمت مصر للعالم أسماء لامعة في مجالات عديدة وتخصصات علمية مختلفة منهم من خرجوا من صفوف الأقباط مثل الدكتور بطرس بطرس غالي والدكتور رمزي يسي, ومنهم عظماء آخرون مسلمون مثل الدكتور أحمد زويل ومحمد البرادعي ونجيب محفوظ. حتي صاروا جميعا أعلاما متألقة في مصر والخارج, ومن هؤلاء العظماء الدكتور العالمي مجدي يعقوب أحد أبرز الرواد في جراحات القلب المفتوح وأكثرهم شهرة في الداخل والخارج, فاستحق بجدارة أن يلقب بألقاب عديدة منها سفير الجراحة المصرية في الخارج, سفير الطب الفرعوني, فهو سفير فوق العادة لبلاده, في كل مكان يذهب إليه بنبوغه العلمي في تخصصه, وهو واحد من أشهر ستة جراحين علي مستوي العالم في علاج أمراض القلب, وثاني طبيب عالمي يجري عمليات نقل وزراعة القلب بعد كرستيان برنارد من جنوب أفريقيا الذي كان أول من قام بإجراء عملية نقل قلب في فترة الأربعينيات من القرن الماضي, وأجري حتي الآن أكثر من ألفي عملية خلال ربع قرن, أما الدكتور مجدي أجري ما يزيد علي 25 ألف عملية قلب مفتوح في العالم وهو عدد ضخم منها 2500 عملية زراعة, ومن الصعب القول إن هناك عملية أهم من الأخري لأن كل عملية تعني حياة إنسان, واهتم بتطوير تقنيات جراحات نقل القلب منذ عام 1967, وفي عام 1980 قام بعملية نقل قلب للمريض دريك موريس الذي أصبح أطول مريض نقل قلب أوربي ظل علي قيد الحياة حتي مات في يوليو عام 2005, ومن بين المشاهير الذين أجري لهم عمليات كان الفنان الكوميدي البريطاني إريك موركامب ويطلق عليه في الإعلام البريطاني لقب ملك القلوب وحين بلغ عمره 65 عاما اعتزل إجراء العمليات الجراحية واستمر كاستشاري ومنظر لعمليات نقل الأعضاء, وفي عام 2006 قرر الدكتور مجدي يعقوب أن يقطع اعتزاله العمليات ليقود عملية معقدة تتطلب إزالة قلب مزروع في مريضة بعد شفاء قلبها الطبيعي, وبلغت أبحاثه أكثر من 400 بحث متخصص في جراحات القلب والصدر والعلوم الأساسية الطبية, اكتشف أساليب تقنية جديدة لتعزيز مهارات الجراحين لإجراء عمليات كانت يوما ماشبه مستحيلة.
حصل علي زمالة كلية الجراحين الملكية من كليات وهيئات علمية عديدة مثل جمعية الجراحين من بريطانيا وفي أيرلندة, ومن جمعية القلب البريطانية, جمعية الطب الملكية, الجمعية الألمانية لجراحات القلب, جمعية الجراحين اليابانية الأوربية, الجمعية المصرية لطب القلب, جمعية جنوب أفريقيا لطب القلب, جمعية القلب بأستراليا ونيوزيلندة, جمعية القلب الباكستانية, الجمعية الهندية لجراحة القلب ونال العديد من الألقاب والدرجات الشرفية والدكتوراه الفخرية من عدة جامعات أجنبية منها جامعات بريطانية مثل جامعة برونيل, كارديف, لوفيورا, ميدلساكس, جامعة لوند بالسويد, له كراس شرفية في جامعة لاهور بباكستان وجامعة يينا في إيطاليا, الكلية الأمريكية لأمراض القلب, وهو أيضا زميل مؤسس لأكاديمية العلوم الطبية.
والدكتور مجدي أستاذ زائر في كثير من المستشفيات وكلية الطب في جامعة القاهرة, مستشفي لندن لأمراض الصدر, مستشفي برميتون, جامعة شيكاغو, وفي النرويج وجنيف وواشنطن وشيفلد وكولومبيا ومينيسوتا وبوسطن وميلانو ونيويورك وفرنسا وسويسرا وأدنبرج وفي هامبورج, ونال درجة بروفيسير في جراحة القلب سنة 1985 وخلال مشواره الطبي الطويل أشرف علي تدريب عدد كبير من الأطباء علي مستوي العالم, وسجل فريق طبي بريطاني بقيادته أول إنجاز طبي فريد من نوعه علي النطاق العالمي من خلال نجاحهم في تطوير صمام قلب من خلايا جذعية, مما أتاح الطريق لتطوير القلب البشري الكامل غير الصناعي, وفي عام 1987 أصبح رئيسا لمؤسسة زراعة القلب في بريطانيا, وصارت تحمل اسمه حتي الآن, وتزوج من امرأة ألمانية اسمها ميري آن (ماريان) أنجب منها ثلاثة أبناء هم أندرو ويعمل طيارا وليزا حاصلة علي ليسانس آداب وعلوم اجتماعية وابنته الصغري صوفي متخصصة في طب المناطق الحارة بأفريقيا وأستراليا وجنوب أمريكا.
تاريخه حافل.. وعبقريته غير مسبوقة في تاريخ مصر كله, تواضعه جم للغاية, ودائما ما يردد: هذا ليس تواضعا, لكن الإنسان كلما يعرف المعضلات التي أمامه يري نفسه صغيرا جدا وهذه حقيقة وليس تواضعا.
* بدايات الرحلة العلمية:
ولد الدكتور مجدي يعقوب في 16 نوفمبر عام 1935, وهو ينتمي إلي عائلة رحالة كثيرة السفر في محافظات الجمهورية هي عائلة الدكتور حبيب يعقوب, وذلك بسبب ظروف وطبيعة عمل رب الأسرة الذي كان يعمل طبيبا في وزارة الصحة, الأمر الذي يستدعي كثرة التنقل, بين بلبيس والفيوم ومغاغة, وبالطبع ظلت الأسرة تنتقل معه من محافظة إلي أخري, ومجدي هو الأخ الأوسط لإخوته وهم علي التوالي مهجة خريجة الجامعة الأمريكية ثم جمال يليه مجدي وأخيرا سامي وارتبط مجدي منذ صغره بأخيه جمال الذي يكبره بعام واحد لذا كانا متلازمين وكأنهما توأمان لقرب سنهما, حتي أنهما التحقا معا بكلية الطب, أما سامي فتخرج في كلية الهندسة. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية انتقلت الأسرة إلي مدينة الفيوم حيث بدأ الشقيقان مجدي وجمال يخطوان أولي خطواتهما الدراسية في مدرسة الفيوم الابتدائية, ولم يدم الحال لهذه العائلة هناك طويلا فسرعان ما انتقلوا إلي شبين الكوم بالمنوفية, حيث أكمل الشقيقان دراستهما الابتدائية, ويذكر المهندس سامي شقيقه في إحدي حواراته في الـC.N.N. أنه في تلك المرحلة علي وجه التحديد بدأت المواهب تتفجر لدي مجدي في الظهور, فأظهر تفوقا ونبوغا ليس له مثيل فلم يكن من ضمن اهتماماته كطفل أن يلعب ويمرح مثل باقي زملائه, بل كان أكثر اهتماما بدراسته, وكان كثير التطلع والقراءة والبحث لكل ما تقع عليه عيناه حتي لو لم يكن يناسب مرحلته العمرية المبكرة, وكثيرا ما كان يعبث في مكتبة والده ينقب فيها وينتقي ما يناسبه فكريا وعمريا ليقرأه لذا كان أساتذته يتوقعون له مستقبلا باهرا.
أنهي مجدي دراسته الابتدائية بتفوق, لينتقل مباشرة إلي المرحلة الثانوية حيث لم يكن هناك فترة إعدادي وهي تتكون من خمس سنوات دراسية تسمي السنة الرابعة الثقافية العامة أما الخامسة فهي التوجيهية وذلك في أسوان ويبدو أن هذه المحافظة علي وجه التحديد لها في داخله مكانة خاصة وهو يحمل لها كل الحب إلي يومنا هذا, حتي إنه يتردد عليها حاليا في فترات متقاربة لإتمام مشروعه الذي يسهم به لدعم جراحات القلب في أسوان, وإجراء الأبحاث والدراسات العلمية والبحثية بهدف دعم وتطوير المحافظة ثم انتقل إلي قنا حيث اجتاز امتحان الثقافة العامة, بعد هذا عادت الأسرة لتستقر مرة أخري في الفيوم, فالتحق مجدي بمدرسة الفيوم الثانوية لإنهاء الفترة الثانوية التوجيهية, وفي هذه المدرسة كان مجدي لافتا للنظر بالنسبة لزملائه وأساتذته, فكان يختلف عن باقي الطلبة في طباعه وسلوكه الهادئ المتزن, وفي يوليو عام 1951 حصل مجدي وشقيقه الأكبر جمال علي شهادة التوجيهية وكان مجدي من ضمن العشرة الأوائل, ثم التحقا معا بكلية الطب جامعة القاهرة, وفي السنة النهائية بالكلية وقع العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956, حيث هجمت كل من إسرائيل وإنجلترا وفرنسا علي البلاد اعتراضا علي قرار الرئيس الراحل عبدالناصر الخاص بتأميم شركة قناة السويس واعتبارها شركة ملاحة مصرية وفي هذه الفترة التحم الشعب المصري بكل فئاته ودياناته معا لا فرق بين مسيحي ومسلم للدفاع عن هموم الوطن في مواجهة هذه الدول الاستعمارية, فانضم الشقيقان إلي كتائب المقاومة الشعبية في الجامعة, وصفوف الفدائيين المتجهين إلي منطقة القناة للنضال من أجل الوطن, وفي يناير عام 1957 أنهي الشقيقان المرحلة الجامعية.
ظل مجدي أيضا من ضمن العشرة الأوائل علي دفعته كما اعتاد وقرر الرئيس الراحل عبدالناصر وقتها أن يكرم هؤلاء الطلبة الأوائل الوطنيين بتسليمهم شهادات التخرج في عيد العلم عام 1958, وكان مجدي من ضمنهم ويذكر أنه من ضمن زملائه في هذه الدفعة المتميزة كل من المرحوم الدكتور خيري السمرة أستاذ جراحة المخ والأعصاب وعميد مستشفي قصر العيني سابقا, الدكتور أمين إسماعيل زايد أستاذ جراحة العيون, ثم اجتاز كل من الدكتور مجدي وأخيه الدكتور جمال يعقوب بعد ذلك مرحلة الامتياز في مستشفي قصر العيني بكلية الطب, ليبدأ كل منهما في الاتجاه نحو طريق القمة, فاتجه الدكتور جمال إلي دراسة الزمالة الطبية الملكية في لندن وتخصص فيما بعد في جراحة العظام, بينما تم اختيار الدكتور مجدي للعمل في مستشفي قصر العيني نائبا في قسم عمليات الصدر وهو القسم الذي كان يرأسه وقتها الدكتور أحمد أبوذكري.
وفي هذه الفترة قام أيضا بإعداد دبلومة في الجراحة العامة, وكان يراسل شقيقه من لندن ليرسل له الكتب والمراجع الطبية الخاصة بإتمام شهادة الزمالة حتي حصل علي درجة الزمالة الملكية في الجراحة من لندن بتفوق أذهل الجميع من الأطباء الأجانب وزملائه, وفي عام 1962 سافر إلي إنجلترا لاستكمال دراساته في مجال الجراحة, ونال نفس درجة الزمالة الملكية من ثلاث جامعات إنجليزية في فترة وجيزة هي جامعات جلاسكو - إسكتلندا, لندن الخريجين الملكية, أدنبرة بأيرلندا, وفي هذه الأثناء أعلن مستشفي برومتون في لندن عن حاجتها إلي أطباء لشغل وظيفة نائب لجراحة القلب فتقدم لهذه الوظيفة مع العديد من أطباء القلب الكبار سواء في لندن أو خارجها من قبيل التجربة, والغريب أن المستشفي لم يقبل أحدا ممن تقدموا لشغل هذه الوظيفة الدقيقة سواء من الإنجليز أو غيرهم سوي الدكتور مجدي يعقوب, وربما كان سبب هذا الاختيار هو صغر سنه, وفي نفس الوقت حصوله علي ثلاث درجات الزمالة الملكية في وقت قياسي, وكان يعمل تحت قيادة اللورد بروك أحد أشهر أطباء القلب في إنجلترا في هذا الوقت, وظل يتدرج في مناصبه الوظيفية هناك حتي صار مساعده الأول في عام 1962, الأمر الذي جعله مثار حقد وكراهية من باقي زملائه الأجانب وسرعان ما ذاع صيت هذا الجراح المصري الماهر حتي جاءه عرض في عام 1969 للعمل في جامعة شيكاغو بأمريكا, وهناك قام بعمل أبحاث عديدة علي صمامات القلب كان من أهم نتائجها القدرة علي نقل الصمامات الآدمية من إنسان متوف إلي آخر حي, ومن المعروف إكلينيكيا أن صمامات القلب مثل قرنية العين تنتقل بعد موت الإنسان بعدة أيام, ولكن بسبب اختلاف أسلوب العمل الذي اعتاد عليه في لندن لم يشعر الدكتور مجدي بالارتياح في شيكاغو, وقرر العودة مرة أخري إلي لندن رغم الإغراءات المادية الضخمة التي قدمها له المسئولون في شيكاغو للاستمرار معهم, لكنه عاد إلي إنجلترا ليتولي مسئولية قسم جراحة القلب في مستشفي هيرفيلد Harefield, وخلال سنوات قليلة أصبحت هيرفيلد أحد المراكز العالمية الشهيرة في جراحة أمراض القلب بسبب وجود الدكتور مجدي يعقوب علي رأس الأطباء العاملين بها, وصار نجمه يلمع في سماء جراحات القلب في لندن وخارجها, فاستدعاه المسئولون بمستشفي برومتون في لندن ليشغل نفس وظيفة البروفسير بروك بعد بلوغه سن الستين وإحالته إلي التقاعد التي رفضت أن تمنحها له من قبل, لكنه فضل أن يظل بموقعه في مستشفي هيرفيلد, ومع إلحاح شديد من الأطباء في لندن وافق علي طلبهم بشرط أن يعمل لديهم Part-time أي بعضا من الوقت, وكان يعمل أكثر من عشرين ساعة في اليوم وأحيانا يعمل عدة أيام متواصلة وأحيانا أخري ينتقل في نفس اليوم إلي عدة دول مختلفة, ولم يكن يعرف الراحة إلا داخل غرف العمليات التي يفضلها - كما يقول - أن تكون علي أقصي درجة ممكنة من الهدوء, وكان يجري عملياته علي أنغام السيمفونيات والموسيقي الهادئة, وحاليا هو مهتم بالعلوم الأساسية للطب التي تبحث في الخلايا والأسباب التي تؤدي إلي الأمراض, وأنشأ لهذا الغرض مراكز بحثية متخصصة منها في إنجلترا الجامعة الملكية بلندن ومركزها هيرفيلد لأمراض القلب, مركز أسوان المزمع إنشائه في مصر.
وعن اختيار الدكتور مجدي يعقوب تخصص جراحة القلب علي وجه التحديد قال: والدي كان جراحا, وأنا صغير السن كنت أرغب أن أعمل جراح مخ أو قلب, ولكن عندما توفيت عمتي الصغري أوجيني وعمرها لا يتجاوز 21 عاما فقط بسبب ضيق بسيط في صمام القلب كانت صدمة للعائلة كلها وحزن والدي جدا خاصة أنها تركت ابنتها وهي صغيرة جدا, وقال: حرام أن تموت شقيقتي بهذا المرض البسيط خاصة أن هناك جراحات في الخارج كان من الممكن أن تنقذها فعلا, فقررت من وقتها أن أتخصص في هذه الجراحات وأعتقد أن عمتي لو كانت موجودة في هذا الوقت لكان إنقاذها أمرا سهلا جدا, فالعملية التي كانت تحتاجها بسيطة للغاية.
* تكريمات الدكتور مجدي يعقوب:
نال الدكتور مجدي يعقوب العديد من التكريمات في الداخل والخارج, أشهرها اللقب الذي ظل شاغرا لمدة خمسة عشر عاما منذ سنة 1977 إلي أن قررت ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية في عام 1992 منحه لقب سير ويعني فارس ويتم منحه للشخصيات المهمة جدا في إنجلترا, وناله الدكتور مجدي نظرا لما قدمه من خدمات ليلة لكافة المستشفيات البريطانية وابتكاره أساليب جراحية متطورة في علاج أمراض القلب خاصة الوراثية منها, ومن قبل حصل أيضا في عام 1985 علي لقب بروفيسير أي أستاذ جراحة القلب والصدر من الجامعة الملكية في لندن Imperiel-College, وفي عام 2000 أطلقت هيئة الإذاعة البريطانية للمرة الأولي مسابقة عامة لتكريم الأفراد ذوي الإنجازات والإسهامات المتميزة في إنجلترا, وخلافا لأسلوب الترشيح المتبع في تنظيم الجوائز العلمية بصفة عامة, إذ تعمد لجان متخصصة إلي اختيار المرشحين بناء علي عدة مؤشرات محددة علميا, فإن الفائزين بجائزة الشعب في هذا الوقت يرشحون من عموم الشعب البريطاني الذي يصوت أيضا علي الفائزين وشمل التصويت عدة مجالات منها الفنون والموسيقي والرياضة والأفلام والتجديد والإبداع والشجاعة, إضافة إلي الإنجازات الريادية التي يقدمها الشخص للمجتمع خلال فترة حياته, وفاز البروفسير مجدي يعقوب بانتخاب الشعب البريطاني كله, هكذا اختير هذا الجراح المصري للحصول علي لقب سير بريطاني علي غرار الاختيار الاختصاصي الذي ناله في مجال الجراحة التجميلية الدكتور ستيفن هول, رجل الأعمال الإنجليزي الشهير صاحب شركة فيرجن ريتشارد برانسون, وفي أغسطس عام 1989 احتفلت الأوساط العلمية في الخارج والصحافة اللندنية بوصول عدد عمليات زرع القلب والرئة إلي الألف عملية, وكان الدكتور مجدي يعقوب ضمن فريق الأطباء العالميين المكرمين وقتها أيضا.
وفي 26 يناير عام 2002 توجه قداسة البابا شنودة الثالث إلي لندن خصيصا لتكريم السير دكتور مجدي يعقوب وكان ذلك مساء السبت في جمعية الطب الملكية بلندن, وحضر الحفل وقتها الدكتور فؤاد مجلي مدرس الترجمة بالكلية, ممثل رسمي لرئيس أساقفة كانتربري, سفير مصر في المملكة المتحدة السفير عادل الجزار, قنصل مصر العام, رجال السفارة, بعض أعضاء الهيئات الدبلوماسية, كثير من قادة الكنائس والحركة المسكونية, مشاهير الأطباء ومجموعة من كبار الشخصيات في إنجلترا, نيافة الأنبا أنجيلوس نائبا عن الكنائس القبطية في المملكة المتحدة.
وقام قداسة البابا بتقليده وسام القديس مارمرقس الرسول وأهداه صليبا من الذهب, وكان أهم ما قيل عنه أثناء الحفل: إنه عالم في الطب وأستاذ في جراحة القلب, حصل علي كثير من الدرجات العلمية وتقدير الهيئات الطبية كما أنه دعي كأستاذ زائر في كثير من الجامعات والمستشفيات, إنه إنسان يحب مهنته ويخدم المرضي في كل البلدان خلال سفرياته المتعددة, فنال خبرة عظيمة في مجاله علي مدي أكثر من 40 عاما إنه صاحب قلب يتصف بالحنو والعمل الإنساني, وقد عالج العديد دون مقابل مادي, كما أنه قام بخدمة كبيرة جدا, في علاج الأطفال في مصر وخارجها.
وفي 15 سبتمبر عام 2006 عقد المؤتمر العالمي لعلاجات القلب مؤتمره السنوي في مدينة برشلونة الإسبانية, وحرص مشاهير أطباء القلب في العالم علي حضور هذا المؤتمر المهم, وحضره أيضا نحو 45 طبيبا مصريا علي رأسهم الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء, إلي جانب أكثر من 40 ألفا من الأطباء والباحثين والصيادلة والمهندسين الطبيين وممثلي شركات الأدوية جاءوا من قارات الدنيا الخمس للمشاركة في تقديم الجديد في الأبحاث العلمية والتعرف علي حاضر ومستقبل علاجات أمراض القلب, وفي مراسم الاحتفال جاء تكريم أطباء العالم في علاج أمراض القلب وجراحاته وكان علي رأسهم الدكتور المصري العالمي مجدي يعقوب الذي فاز بالميدالية الذهبية تقديرا من المؤتمر لحامل لقب: أكثر أطباء العالم إنجازا في عدد عمليات زرع القلب التي قام بها خلال مسيرته الطبية الطويلة, وحرصت الملكة الإسبانية صوفيا علي تسليمه الميدالية الذهبية تقديرا منها شخصيا للتاريخ العلمي الطويل له, وللأعمال الخيرية الهائلة التي يقوم بها حاليا بعد توقفه عن إجراء جراحات زرع القلب, وأشاد الحاضرون بالإجماع بما حققه أيضا من العناية البالغة بمرضي القلب من الأطفال في دول العالم الثالث, والمساهمة في إنشاء مستشفيات علاج قلوب الأطفال من الدول الأفريقية ودول الشرق الأوسط آخرها المستشفي الذي أقامه في مدينة أسوان وساهم فيه من أمواله الخاصة بمبلغ عشرة ملايين دولار, وينوي أن يجري بنفسه الجراحات الحرجة لعلاج الخلل الخلقي لقلوب أطفال مصر مرضي القلب دون مقابل.
* جمعية سلاسل الأمل Chain of Hope:
من الجمعيات الأهلية التي أسهم البروفسير مجدي يعقوب في تأسيسها وحاليا يرأس مجلس إدارتها مع ابنته ليزا التي ترافقه في كل رحلاته, وتعمل المؤسسة في مصر وعدد من الدول النامية وأفريقيا, وتهتم برعاية الأطفال في الدول الفقيرة حتي سن 18 سنة, وفلسفتها هي لابد أن نعمل معا من أجل الخير. وقد بدأت في فرنسا أولا ثم انتقلت إلي إنجلترا حتي صارت أكبر معهد ومركز لبحوث جراحات القلب. ويخدم تحت مظلتها أطباء عالميون يجرون العمليات بأجر رمزي أو دون مقابل, شركات طيران تقدم للمرضي تذاكر بأسعار رمزية, عائلات في إنجلترا تستضيف الأطفال بعد وقبل إجراء العمليات, رجال أعمال يساهمون بتبرعات مالية, لها أنشطة عديدة في مصر, وهي مقامة علي مساحة 50 ألف متر مربع بمدينة أسوان الجديدة بتكلفة مبدئية مليون جنيه إسترليني, ويعقد المركز دورات تدريبية لضمان مستوي الأداء, وذكرت الـC.N.N. أنه يجري حاليا تنفيذ مشروع ضخم لإعداد كوادر طبية مصرية مؤهلة لاستخدام أحدث وسائل التشخيص تحت رعاية مكتبة الإسكندرية, وسيتم إقامة مراكز متخصصة أخري في جراحات القلب بالقاهرة والإسكندرية وأسوان والمنصورة, إلي جانب معمل عالمي للخلايا المتطورة.. ويرأس الدكتور مجدي كذلك العديد من المشروعات الطبية التي تقيمها الجمعية في مستشفي أبوالريش للأطفال وأماكن أخري عديدة.
خلال تلك الرحلة الرائعة الصعبة واجهته صعاب كثيرة لكنه دائما ما كان يتخذ شعارا أساسيا لحياته قال: إن القمة تحتاج دائما إلي بذل العرق والجهد, فعندما وصلت إلي إنجلترا وكانوا يقولون إنني أجنبي ولن أحقق شيئا علي الإطلاق, المهم ألا يجد الإنسان عذرا لنفسه ليبرر عدم استمراره في العمل والتقدم, وكل إنسان لو كان مؤمنا بنفسه, ويعمل طوال الوقت بمثابرة فسوف ينجح في أي مكان في العالم, وللأسف كثيرون في مصر تعودوا أن يلوموا الآخرين ولا يلومون أنفسهم ويلقون أخطاءهم علي دول خارجية أو علي الحكومة ولا يقولون لأنفسهم إنهم قصروا في العمل ليلا ونهارا, وأنا أنصح الجميع بأن يواصلوا العمل وسيرون النتيجة.
وفي أحد المؤتمرات بمصر قال: أنا دائم الحضور إلي مصر لأن علي دينا لهذا الشعب ومصر أم الدنيا, فهي جزء مني وأنا أعبر عن حبي للبلد بالعمل من أجل شفاء أي مصري.
******
* المراجع:
** د. مجدي يعقوب.. فارس القلوب - زكريا عبدالسيد
** أعداد أرشيفية من صحف ومجلات مختلفة:
- مجلة الحياة اللندنية - أغسطس عام 1967, عام 1989, عام 1992
- مجلة الكرازة - 15 فبراير عام 2002, مارس عام 2002
- جريدة الحياة السعودية - 14 فبراير عام 2006
- جريدة الأهرام - 1995, 2006, 13 أبريل عام 2007
- جريدة الأخبار - 15 سبتمبر عام 2006, ديسمبر عام 2007
- حوار للدكتور مجدي يعقوب في الـC.N.N - عام 2007
- المصور - 24 يونية عام 2006
جريدة وطنى 15/12/2009م إيفا روماني
شعار الدكتور مجدي طوال رحلة رائعة صعبة..
القمة تحتاج دائما إلي بذل العرق والجهد
قدمت مصر للعالم أسماء لامعة في مجالات عديدة وتخصصات علمية مختلفة منهم من خرجوا من صفوف الأقباط مثل الدكتور بطرس بطرس غالي والدكتور رمزي يسي, ومنهم عظماء آخرون مسلمون مثل الدكتور أحمد زويل ومحمد البرادعي ونجيب محفوظ. حتي صاروا جميعا أعلاما متألقة في مصر والخارج, ومن هؤلاء العظماء الدكتور العالمي مجدي يعقوب أحد أبرز الرواد في جراحات القلب المفتوح وأكثرهم شهرة في الداخل والخارج, فاستحق بجدارة أن يلقب بألقاب عديدة منها سفير الجراحة المصرية في الخارج, سفير الطب الفرعوني, فهو سفير فوق العادة لبلاده, في كل مكان يذهب إليه بنبوغه العلمي في تخصصه, وهو واحد من أشهر ستة جراحين علي مستوي العالم في علاج أمراض القلب, وثاني طبيب عالمي يجري عمليات نقل وزراعة القلب بعد كرستيان برنارد من جنوب أفريقيا الذي كان أول من قام بإجراء عملية نقل قلب في فترة الأربعينيات من القرن الماضي, وأجري حتي الآن أكثر من ألفي عملية خلال ربع قرن, أما الدكتور مجدي أجري ما يزيد علي 25 ألف عملية قلب مفتوح في العالم وهو عدد ضخم منها 2500 عملية زراعة, ومن الصعب القول إن هناك عملية أهم من الأخري لأن كل عملية تعني حياة إنسان, واهتم بتطوير تقنيات جراحات نقل القلب منذ عام 1967, وفي عام 1980 قام بعملية نقل قلب للمريض دريك موريس الذي أصبح أطول مريض نقل قلب أوربي ظل علي قيد الحياة حتي مات في يوليو عام 2005, ومن بين المشاهير الذين أجري لهم عمليات كان الفنان الكوميدي البريطاني إريك موركامب ويطلق عليه في الإعلام البريطاني لقب ملك القلوب وحين بلغ عمره 65 عاما اعتزل إجراء العمليات الجراحية واستمر كاستشاري ومنظر لعمليات نقل الأعضاء, وفي عام 2006 قرر الدكتور مجدي يعقوب أن يقطع اعتزاله العمليات ليقود عملية معقدة تتطلب إزالة قلب مزروع في مريضة بعد شفاء قلبها الطبيعي, وبلغت أبحاثه أكثر من 400 بحث متخصص في جراحات القلب والصدر والعلوم الأساسية الطبية, اكتشف أساليب تقنية جديدة لتعزيز مهارات الجراحين لإجراء عمليات كانت يوما ماشبه مستحيلة.
حصل علي زمالة كلية الجراحين الملكية من كليات وهيئات علمية عديدة مثل جمعية الجراحين من بريطانيا وفي أيرلندة, ومن جمعية القلب البريطانية, جمعية الطب الملكية, الجمعية الألمانية لجراحات القلب, جمعية الجراحين اليابانية الأوربية, الجمعية المصرية لطب القلب, جمعية جنوب أفريقيا لطب القلب, جمعية القلب بأستراليا ونيوزيلندة, جمعية القلب الباكستانية, الجمعية الهندية لجراحة القلب ونال العديد من الألقاب والدرجات الشرفية والدكتوراه الفخرية من عدة جامعات أجنبية منها جامعات بريطانية مثل جامعة برونيل, كارديف, لوفيورا, ميدلساكس, جامعة لوند بالسويد, له كراس شرفية في جامعة لاهور بباكستان وجامعة يينا في إيطاليا, الكلية الأمريكية لأمراض القلب, وهو أيضا زميل مؤسس لأكاديمية العلوم الطبية.
والدكتور مجدي أستاذ زائر في كثير من المستشفيات وكلية الطب في جامعة القاهرة, مستشفي لندن لأمراض الصدر, مستشفي برميتون, جامعة شيكاغو, وفي النرويج وجنيف وواشنطن وشيفلد وكولومبيا ومينيسوتا وبوسطن وميلانو ونيويورك وفرنسا وسويسرا وأدنبرج وفي هامبورج, ونال درجة بروفيسير في جراحة القلب سنة 1985 وخلال مشواره الطبي الطويل أشرف علي تدريب عدد كبير من الأطباء علي مستوي العالم, وسجل فريق طبي بريطاني بقيادته أول إنجاز طبي فريد من نوعه علي النطاق العالمي من خلال نجاحهم في تطوير صمام قلب من خلايا جذعية, مما أتاح الطريق لتطوير القلب البشري الكامل غير الصناعي, وفي عام 1987 أصبح رئيسا لمؤسسة زراعة القلب في بريطانيا, وصارت تحمل اسمه حتي الآن, وتزوج من امرأة ألمانية اسمها ميري آن (ماريان) أنجب منها ثلاثة أبناء هم أندرو ويعمل طيارا وليزا حاصلة علي ليسانس آداب وعلوم اجتماعية وابنته الصغري صوفي متخصصة في طب المناطق الحارة بأفريقيا وأستراليا وجنوب أمريكا.
تاريخه حافل.. وعبقريته غير مسبوقة في تاريخ مصر كله, تواضعه جم للغاية, ودائما ما يردد: هذا ليس تواضعا, لكن الإنسان كلما يعرف المعضلات التي أمامه يري نفسه صغيرا جدا وهذه حقيقة وليس تواضعا.
* بدايات الرحلة العلمية:
ولد الدكتور مجدي يعقوب في 16 نوفمبر عام 1935, وهو ينتمي إلي عائلة رحالة كثيرة السفر في محافظات الجمهورية هي عائلة الدكتور حبيب يعقوب, وذلك بسبب ظروف وطبيعة عمل رب الأسرة الذي كان يعمل طبيبا في وزارة الصحة, الأمر الذي يستدعي كثرة التنقل, بين بلبيس والفيوم ومغاغة, وبالطبع ظلت الأسرة تنتقل معه من محافظة إلي أخري, ومجدي هو الأخ الأوسط لإخوته وهم علي التوالي مهجة خريجة الجامعة الأمريكية ثم جمال يليه مجدي وأخيرا سامي وارتبط مجدي منذ صغره بأخيه جمال الذي يكبره بعام واحد لذا كانا متلازمين وكأنهما توأمان لقرب سنهما, حتي أنهما التحقا معا بكلية الطب, أما سامي فتخرج في كلية الهندسة. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية انتقلت الأسرة إلي مدينة الفيوم حيث بدأ الشقيقان مجدي وجمال يخطوان أولي خطواتهما الدراسية في مدرسة الفيوم الابتدائية, ولم يدم الحال لهذه العائلة هناك طويلا فسرعان ما انتقلوا إلي شبين الكوم بالمنوفية, حيث أكمل الشقيقان دراستهما الابتدائية, ويذكر المهندس سامي شقيقه في إحدي حواراته في الـC.N.N. أنه في تلك المرحلة علي وجه التحديد بدأت المواهب تتفجر لدي مجدي في الظهور, فأظهر تفوقا ونبوغا ليس له مثيل فلم يكن من ضمن اهتماماته كطفل أن يلعب ويمرح مثل باقي زملائه, بل كان أكثر اهتماما بدراسته, وكان كثير التطلع والقراءة والبحث لكل ما تقع عليه عيناه حتي لو لم يكن يناسب مرحلته العمرية المبكرة, وكثيرا ما كان يعبث في مكتبة والده ينقب فيها وينتقي ما يناسبه فكريا وعمريا ليقرأه لذا كان أساتذته يتوقعون له مستقبلا باهرا.
أنهي مجدي دراسته الابتدائية بتفوق, لينتقل مباشرة إلي المرحلة الثانوية حيث لم يكن هناك فترة إعدادي وهي تتكون من خمس سنوات دراسية تسمي السنة الرابعة الثقافية العامة أما الخامسة فهي التوجيهية وذلك في أسوان ويبدو أن هذه المحافظة علي وجه التحديد لها في داخله مكانة خاصة وهو يحمل لها كل الحب إلي يومنا هذا, حتي إنه يتردد عليها حاليا في فترات متقاربة لإتمام مشروعه الذي يسهم به لدعم جراحات القلب في أسوان, وإجراء الأبحاث والدراسات العلمية والبحثية بهدف دعم وتطوير المحافظة ثم انتقل إلي قنا حيث اجتاز امتحان الثقافة العامة, بعد هذا عادت الأسرة لتستقر مرة أخري في الفيوم, فالتحق مجدي بمدرسة الفيوم الثانوية لإنهاء الفترة الثانوية التوجيهية, وفي هذه المدرسة كان مجدي لافتا للنظر بالنسبة لزملائه وأساتذته, فكان يختلف عن باقي الطلبة في طباعه وسلوكه الهادئ المتزن, وفي يوليو عام 1951 حصل مجدي وشقيقه الأكبر جمال علي شهادة التوجيهية وكان مجدي من ضمن العشرة الأوائل, ثم التحقا معا بكلية الطب جامعة القاهرة, وفي السنة النهائية بالكلية وقع العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956, حيث هجمت كل من إسرائيل وإنجلترا وفرنسا علي البلاد اعتراضا علي قرار الرئيس الراحل عبدالناصر الخاص بتأميم شركة قناة السويس واعتبارها شركة ملاحة مصرية وفي هذه الفترة التحم الشعب المصري بكل فئاته ودياناته معا لا فرق بين مسيحي ومسلم للدفاع عن هموم الوطن في مواجهة هذه الدول الاستعمارية, فانضم الشقيقان إلي كتائب المقاومة الشعبية في الجامعة, وصفوف الفدائيين المتجهين إلي منطقة القناة للنضال من أجل الوطن, وفي يناير عام 1957 أنهي الشقيقان المرحلة الجامعية.
ظل مجدي أيضا من ضمن العشرة الأوائل علي دفعته كما اعتاد وقرر الرئيس الراحل عبدالناصر وقتها أن يكرم هؤلاء الطلبة الأوائل الوطنيين بتسليمهم شهادات التخرج في عيد العلم عام 1958, وكان مجدي من ضمنهم ويذكر أنه من ضمن زملائه في هذه الدفعة المتميزة كل من المرحوم الدكتور خيري السمرة أستاذ جراحة المخ والأعصاب وعميد مستشفي قصر العيني سابقا, الدكتور أمين إسماعيل زايد أستاذ جراحة العيون, ثم اجتاز كل من الدكتور مجدي وأخيه الدكتور جمال يعقوب بعد ذلك مرحلة الامتياز في مستشفي قصر العيني بكلية الطب, ليبدأ كل منهما في الاتجاه نحو طريق القمة, فاتجه الدكتور جمال إلي دراسة الزمالة الطبية الملكية في لندن وتخصص فيما بعد في جراحة العظام, بينما تم اختيار الدكتور مجدي للعمل في مستشفي قصر العيني نائبا في قسم عمليات الصدر وهو القسم الذي كان يرأسه وقتها الدكتور أحمد أبوذكري.
وفي هذه الفترة قام أيضا بإعداد دبلومة في الجراحة العامة, وكان يراسل شقيقه من لندن ليرسل له الكتب والمراجع الطبية الخاصة بإتمام شهادة الزمالة حتي حصل علي درجة الزمالة الملكية في الجراحة من لندن بتفوق أذهل الجميع من الأطباء الأجانب وزملائه, وفي عام 1962 سافر إلي إنجلترا لاستكمال دراساته في مجال الجراحة, ونال نفس درجة الزمالة الملكية من ثلاث جامعات إنجليزية في فترة وجيزة هي جامعات جلاسكو - إسكتلندا, لندن الخريجين الملكية, أدنبرة بأيرلندا, وفي هذه الأثناء أعلن مستشفي برومتون في لندن عن حاجتها إلي أطباء لشغل وظيفة نائب لجراحة القلب فتقدم لهذه الوظيفة مع العديد من أطباء القلب الكبار سواء في لندن أو خارجها من قبيل التجربة, والغريب أن المستشفي لم يقبل أحدا ممن تقدموا لشغل هذه الوظيفة الدقيقة سواء من الإنجليز أو غيرهم سوي الدكتور مجدي يعقوب, وربما كان سبب هذا الاختيار هو صغر سنه, وفي نفس الوقت حصوله علي ثلاث درجات الزمالة الملكية في وقت قياسي, وكان يعمل تحت قيادة اللورد بروك أحد أشهر أطباء القلب في إنجلترا في هذا الوقت, وظل يتدرج في مناصبه الوظيفية هناك حتي صار مساعده الأول في عام 1962, الأمر الذي جعله مثار حقد وكراهية من باقي زملائه الأجانب وسرعان ما ذاع صيت هذا الجراح المصري الماهر حتي جاءه عرض في عام 1969 للعمل في جامعة شيكاغو بأمريكا, وهناك قام بعمل أبحاث عديدة علي صمامات القلب كان من أهم نتائجها القدرة علي نقل الصمامات الآدمية من إنسان متوف إلي آخر حي, ومن المعروف إكلينيكيا أن صمامات القلب مثل قرنية العين تنتقل بعد موت الإنسان بعدة أيام, ولكن بسبب اختلاف أسلوب العمل الذي اعتاد عليه في لندن لم يشعر الدكتور مجدي بالارتياح في شيكاغو, وقرر العودة مرة أخري إلي لندن رغم الإغراءات المادية الضخمة التي قدمها له المسئولون في شيكاغو للاستمرار معهم, لكنه عاد إلي إنجلترا ليتولي مسئولية قسم جراحة القلب في مستشفي هيرفيلد Harefield, وخلال سنوات قليلة أصبحت هيرفيلد أحد المراكز العالمية الشهيرة في جراحة أمراض القلب بسبب وجود الدكتور مجدي يعقوب علي رأس الأطباء العاملين بها, وصار نجمه يلمع في سماء جراحات القلب في لندن وخارجها, فاستدعاه المسئولون بمستشفي برومتون في لندن ليشغل نفس وظيفة البروفسير بروك بعد بلوغه سن الستين وإحالته إلي التقاعد التي رفضت أن تمنحها له من قبل, لكنه فضل أن يظل بموقعه في مستشفي هيرفيلد, ومع إلحاح شديد من الأطباء في لندن وافق علي طلبهم بشرط أن يعمل لديهم Part-time أي بعضا من الوقت, وكان يعمل أكثر من عشرين ساعة في اليوم وأحيانا يعمل عدة أيام متواصلة وأحيانا أخري ينتقل في نفس اليوم إلي عدة دول مختلفة, ولم يكن يعرف الراحة إلا داخل غرف العمليات التي يفضلها - كما يقول - أن تكون علي أقصي درجة ممكنة من الهدوء, وكان يجري عملياته علي أنغام السيمفونيات والموسيقي الهادئة, وحاليا هو مهتم بالعلوم الأساسية للطب التي تبحث في الخلايا والأسباب التي تؤدي إلي الأمراض, وأنشأ لهذا الغرض مراكز بحثية متخصصة منها في إنجلترا الجامعة الملكية بلندن ومركزها هيرفيلد لأمراض القلب, مركز أسوان المزمع إنشائه في مصر.
وعن اختيار الدكتور مجدي يعقوب تخصص جراحة القلب علي وجه التحديد قال: والدي كان جراحا, وأنا صغير السن كنت أرغب أن أعمل جراح مخ أو قلب, ولكن عندما توفيت عمتي الصغري أوجيني وعمرها لا يتجاوز 21 عاما فقط بسبب ضيق بسيط في صمام القلب كانت صدمة للعائلة كلها وحزن والدي جدا خاصة أنها تركت ابنتها وهي صغيرة جدا, وقال: حرام أن تموت شقيقتي بهذا المرض البسيط خاصة أن هناك جراحات في الخارج كان من الممكن أن تنقذها فعلا, فقررت من وقتها أن أتخصص في هذه الجراحات وأعتقد أن عمتي لو كانت موجودة في هذا الوقت لكان إنقاذها أمرا سهلا جدا, فالعملية التي كانت تحتاجها بسيطة للغاية.
* تكريمات الدكتور مجدي يعقوب:
نال الدكتور مجدي يعقوب العديد من التكريمات في الداخل والخارج, أشهرها اللقب الذي ظل شاغرا لمدة خمسة عشر عاما منذ سنة 1977 إلي أن قررت ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية في عام 1992 منحه لقب سير ويعني فارس ويتم منحه للشخصيات المهمة جدا في إنجلترا, وناله الدكتور مجدي نظرا لما قدمه من خدمات ليلة لكافة المستشفيات البريطانية وابتكاره أساليب جراحية متطورة في علاج أمراض القلب خاصة الوراثية منها, ومن قبل حصل أيضا في عام 1985 علي لقب بروفيسير أي أستاذ جراحة القلب والصدر من الجامعة الملكية في لندن Imperiel-College, وفي عام 2000 أطلقت هيئة الإذاعة البريطانية للمرة الأولي مسابقة عامة لتكريم الأفراد ذوي الإنجازات والإسهامات المتميزة في إنجلترا, وخلافا لأسلوب الترشيح المتبع في تنظيم الجوائز العلمية بصفة عامة, إذ تعمد لجان متخصصة إلي اختيار المرشحين بناء علي عدة مؤشرات محددة علميا, فإن الفائزين بجائزة الشعب في هذا الوقت يرشحون من عموم الشعب البريطاني الذي يصوت أيضا علي الفائزين وشمل التصويت عدة مجالات منها الفنون والموسيقي والرياضة والأفلام والتجديد والإبداع والشجاعة, إضافة إلي الإنجازات الريادية التي يقدمها الشخص للمجتمع خلال فترة حياته, وفاز البروفسير مجدي يعقوب بانتخاب الشعب البريطاني كله, هكذا اختير هذا الجراح المصري للحصول علي لقب سير بريطاني علي غرار الاختيار الاختصاصي الذي ناله في مجال الجراحة التجميلية الدكتور ستيفن هول, رجل الأعمال الإنجليزي الشهير صاحب شركة فيرجن ريتشارد برانسون, وفي أغسطس عام 1989 احتفلت الأوساط العلمية في الخارج والصحافة اللندنية بوصول عدد عمليات زرع القلب والرئة إلي الألف عملية, وكان الدكتور مجدي يعقوب ضمن فريق الأطباء العالميين المكرمين وقتها أيضا.
وفي 26 يناير عام 2002 توجه قداسة البابا شنودة الثالث إلي لندن خصيصا لتكريم السير دكتور مجدي يعقوب وكان ذلك مساء السبت في جمعية الطب الملكية بلندن, وحضر الحفل وقتها الدكتور فؤاد مجلي مدرس الترجمة بالكلية, ممثل رسمي لرئيس أساقفة كانتربري, سفير مصر في المملكة المتحدة السفير عادل الجزار, قنصل مصر العام, رجال السفارة, بعض أعضاء الهيئات الدبلوماسية, كثير من قادة الكنائس والحركة المسكونية, مشاهير الأطباء ومجموعة من كبار الشخصيات في إنجلترا, نيافة الأنبا أنجيلوس نائبا عن الكنائس القبطية في المملكة المتحدة.
وقام قداسة البابا بتقليده وسام القديس مارمرقس الرسول وأهداه صليبا من الذهب, وكان أهم ما قيل عنه أثناء الحفل: إنه عالم في الطب وأستاذ في جراحة القلب, حصل علي كثير من الدرجات العلمية وتقدير الهيئات الطبية كما أنه دعي كأستاذ زائر في كثير من الجامعات والمستشفيات, إنه إنسان يحب مهنته ويخدم المرضي في كل البلدان خلال سفرياته المتعددة, فنال خبرة عظيمة في مجاله علي مدي أكثر من 40 عاما إنه صاحب قلب يتصف بالحنو والعمل الإنساني, وقد عالج العديد دون مقابل مادي, كما أنه قام بخدمة كبيرة جدا, في علاج الأطفال في مصر وخارجها.
وفي 15 سبتمبر عام 2006 عقد المؤتمر العالمي لعلاجات القلب مؤتمره السنوي في مدينة برشلونة الإسبانية, وحرص مشاهير أطباء القلب في العالم علي حضور هذا المؤتمر المهم, وحضره أيضا نحو 45 طبيبا مصريا علي رأسهم الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء, إلي جانب أكثر من 40 ألفا من الأطباء والباحثين والصيادلة والمهندسين الطبيين وممثلي شركات الأدوية جاءوا من قارات الدنيا الخمس للمشاركة في تقديم الجديد في الأبحاث العلمية والتعرف علي حاضر ومستقبل علاجات أمراض القلب, وفي مراسم الاحتفال جاء تكريم أطباء العالم في علاج أمراض القلب وجراحاته وكان علي رأسهم الدكتور المصري العالمي مجدي يعقوب الذي فاز بالميدالية الذهبية تقديرا من المؤتمر لحامل لقب: أكثر أطباء العالم إنجازا في عدد عمليات زرع القلب التي قام بها خلال مسيرته الطبية الطويلة, وحرصت الملكة الإسبانية صوفيا علي تسليمه الميدالية الذهبية تقديرا منها شخصيا للتاريخ العلمي الطويل له, وللأعمال الخيرية الهائلة التي يقوم بها حاليا بعد توقفه عن إجراء جراحات زرع القلب, وأشاد الحاضرون بالإجماع بما حققه أيضا من العناية البالغة بمرضي القلب من الأطفال في دول العالم الثالث, والمساهمة في إنشاء مستشفيات علاج قلوب الأطفال من الدول الأفريقية ودول الشرق الأوسط آخرها المستشفي الذي أقامه في مدينة أسوان وساهم فيه من أمواله الخاصة بمبلغ عشرة ملايين دولار, وينوي أن يجري بنفسه الجراحات الحرجة لعلاج الخلل الخلقي لقلوب أطفال مصر مرضي القلب دون مقابل.
* جمعية سلاسل الأمل Chain of Hope:
من الجمعيات الأهلية التي أسهم البروفسير مجدي يعقوب في تأسيسها وحاليا يرأس مجلس إدارتها مع ابنته ليزا التي ترافقه في كل رحلاته, وتعمل المؤسسة في مصر وعدد من الدول النامية وأفريقيا, وتهتم برعاية الأطفال في الدول الفقيرة حتي سن 18 سنة, وفلسفتها هي لابد أن نعمل معا من أجل الخير. وقد بدأت في فرنسا أولا ثم انتقلت إلي إنجلترا حتي صارت أكبر معهد ومركز لبحوث جراحات القلب. ويخدم تحت مظلتها أطباء عالميون يجرون العمليات بأجر رمزي أو دون مقابل, شركات طيران تقدم للمرضي تذاكر بأسعار رمزية, عائلات في إنجلترا تستضيف الأطفال بعد وقبل إجراء العمليات, رجال أعمال يساهمون بتبرعات مالية, لها أنشطة عديدة في مصر, وهي مقامة علي مساحة 50 ألف متر مربع بمدينة أسوان الجديدة بتكلفة مبدئية مليون جنيه إسترليني, ويعقد المركز دورات تدريبية لضمان مستوي الأداء, وذكرت الـC.N.N. أنه يجري حاليا تنفيذ مشروع ضخم لإعداد كوادر طبية مصرية مؤهلة لاستخدام أحدث وسائل التشخيص تحت رعاية مكتبة الإسكندرية, وسيتم إقامة مراكز متخصصة أخري في جراحات القلب بالقاهرة والإسكندرية وأسوان والمنصورة, إلي جانب معمل عالمي للخلايا المتطورة.. ويرأس الدكتور مجدي كذلك العديد من المشروعات الطبية التي تقيمها الجمعية في مستشفي أبوالريش للأطفال وأماكن أخري عديدة.
خلال تلك الرحلة الرائعة الصعبة واجهته صعاب كثيرة لكنه دائما ما كان يتخذ شعارا أساسيا لحياته قال: إن القمة تحتاج دائما إلي بذل العرق والجهد, فعندما وصلت إلي إنجلترا وكانوا يقولون إنني أجنبي ولن أحقق شيئا علي الإطلاق, المهم ألا يجد الإنسان عذرا لنفسه ليبرر عدم استمراره في العمل والتقدم, وكل إنسان لو كان مؤمنا بنفسه, ويعمل طوال الوقت بمثابرة فسوف ينجح في أي مكان في العالم, وللأسف كثيرون في مصر تعودوا أن يلوموا الآخرين ولا يلومون أنفسهم ويلقون أخطاءهم علي دول خارجية أو علي الحكومة ولا يقولون لأنفسهم إنهم قصروا في العمل ليلا ونهارا, وأنا أنصح الجميع بأن يواصلوا العمل وسيرون النتيجة.
وفي أحد المؤتمرات بمصر قال: أنا دائم الحضور إلي مصر لأن علي دينا لهذا الشعب ومصر أم الدنيا, فهي جزء مني وأنا أعبر عن حبي للبلد بالعمل من أجل شفاء أي مصري.
******
* المراجع:
** د. مجدي يعقوب.. فارس القلوب - زكريا عبدالسيد
** أعداد أرشيفية من صحف ومجلات مختلفة:
- مجلة الحياة اللندنية - أغسطس عام 1967, عام 1989, عام 1992
- مجلة الكرازة - 15 فبراير عام 2002, مارس عام 2002
- جريدة الحياة السعودية - 14 فبراير عام 2006
- جريدة الأهرام - 1995, 2006, 13 أبريل عام 2007
- جريدة الأخبار - 15 سبتمبر عام 2006, ديسمبر عام 2007
- حوار للدكتور مجدي يعقوب في الـC.N.N - عام 2007
- المصور - 24 يونية عام 2006
ابو ماضى- مراقب عام المنتدى
- عدد المساهمات : 440
تاريخ التسجيل : 23/05/2010
العمر : 51
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى